ويفهم من كلامه أيضاً أن الصبح الثاني كالصبح الأول ليس إلا بتخليق الفاعل المختار ويمتنع أن يكون من تأثير قرص الشمس، وبين ذلك بأن من المقدمات المتفق عليها أن المضيء، شمساً كان أو غيره لا يقع ضوؤه إلا على الجرم المقابل له دون غير المقابل والشمس عند طلوع الصبح غير مرتفعة من الأفق فلا يكون جرم الشمس مقابلاً لجزء من أجزاء وجه الأرض فيمتنع وقوع ضوء الشمس على وجه الأرض وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكون ضوء الصبح من تأثير القرص، ثم قال فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال الشمس حين كونها تحت الأرض توجب إضاءة ذلك الهواء المقابل لها وذلك الهواء مقابل للهواء الواقف فوق الأرض فيصير ضوء الهواء الواقف تحت الأرض سبباً لضوء الهواء الواقف فوق الأرض ثم لا يزال يسري ذلك الضوء من هواء آخر ملاصق له حتى يصل إلى الهواء المحيط بنا.
وعلى هذا عول أبو علي بن الهيثم في "المناظر" فالجواب : أن هذا باطل من وجهين، الأول : أن الهواء شفاف عديم اللون فلا يقبل النور واللون في ذاته.
وما كان كذلك يمتنع أن ينعكس منه النور إلى غيره فيمتنع أن يصير ضوؤه سبباً لضوء هواء آخر مقابل له.
فإن قالوا فلم لا يجوز أن يقال إنه حصل في الأفق أجزاء كثيفة من الأبخرة والأدخنة وهي لكثافتها تقبل النور عن قرص الشمس ثم يفيض على الهواء المقابل له؟ فنقول : لو كان كذلك لكان كلما كانت الأبخرة والأدخنة في الأفق أكثر وجب أن يكون ضوء الصباح أقوى وليس الأمر كذلك بل بالعكس، الثاني : أن الدائرة التي هي دائرة الأفق لنا بعينها دائرة نصف النهار لقوم آخرين.
وإذا كان كذلك فالدائرة التي هي نصف النهار في بلدنا وجب كونها دائرة الأفق لأولئك الأقوام، وإذا ثبت هذا فنقول.
إذا وصل مركز الشمس إلى دئرة نصف الليل وتجاوز عنها فالشمس قد طلعت على أولئك الأقوام واستنار نصف العالم هناك.