ولايته في الدنيا لما جمع لهم من أمره فيها، فيبدو عزهم من وراء ذل، ويتراءى ذلهم ومن دونه عز، فيسبق عزهم إلى القلوب مع تذللهم في الحواس، ويؤول محسوسهم إلى عز في عقبى الدنيا، ومبادرة الآخرة مع تأنس القلوب بهم، ﴿إن ربي لطيف لما يشاء﴾ [ يوسف : ١٠٠ ] لما أراد أن يملكه مصر وجعل وسيلة ذلك استبعاده بها، وبحصول معناه بتمام الخبرة والحكمة - وتلك إبداء الشيء في ضده - يتضح اختصاصه بالحق، فهو الذي أطعم من جوع وآمن من خوف، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً، فهو تعالى اللطيف الذي لا لطيف إلا هو، ثم قال : الخبرة إدراك خبايا الأشياء وخفاياها بحيث لا يبدو منه خبيثة أمر إلا كان إدراك الخبير سابقاً لبدوها، وذلك لا يتم إلا لمبديها الذي هو يخرج خبأها، وهو الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض، ومخبرة الخلق لا بد فيها من إظهار باد ينبئ عن الخبء بمقتضى التجرية، وإلاّ لم يصح لهم الخبرة، كما قيل : مخبرة المرء فيما يبدو من نطقه وما يظهره اليوم والليلة من عمله، والخبير الحق خبير بالشيء دون باد يرى الظاهر خبيثة أمره، فهو بالحقيقة الذي لا خبير إلاّ هو - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٠ ـ ٦٩١﴾

فصل


قال الفخر :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى تجوز رؤيته والمؤمنين يرونه يوم القيامة من وجوه : الأول : في تقرير هذا المطلوب أن نقول : هذه الآية تدل على أنه تعالى تجوز رؤيته.
وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة.
أما المقام الأول : فتقريره : أنه تعالى تمدح بقوله :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ وذلك مما يساعد الخصم عليه، وعليه بنوا استدلالهم في إثبات مذهبهم في نفي الرؤية.
وإذا ثبت هذا فنقول : لو لم يكن تعالى جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته.


الصفحة التالية
Icon