والجواب عن الوجه الأول من وجوه : الأول : لا نسلم أن إدراك البصر عبارة عن الرؤية والدليل عليه : أن لفظ الإدراك في أصل اللغة عبارة عن اللحوق والوصول قال تعالى :﴿قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [ الشعراء : ٦١ ] أي لملحقون وقال :﴿حتى إِذَا أَدْرَكَهُ الغرق﴾ [ يونس : ٩٠ ] أي لحقه، ويقال : أدرك فلان فلاناً، وأدرك الغلام أي بلغ الحلم، وأدركت الثمرة أي نضجت.
فثبت أن الإدراك هو الوصول إلى الشيء.
إذا عرفت هذا فنقول : المرئي إذا كان له حد ونهاية وأدركه البصر بجميع حدوده وجوانبه ونهاياته.
صار كأن ذلك الإبصار أحاط به فتسمى هذه الرؤية إدراكاً، أما إذا لم يحط البصر بجوانب المرئي لم تسم تلك الرؤية إدراكاً.
فالحاصل أن الرؤية جنس تحتها نوعان : رؤية مع الإحاطة.
ورؤية لا مع الإحاطة.
والرؤية مع الإحاطة هي المسماة بالإدراك فنفي الإدراك يفيد نفي نوع واحد من نوعي الرؤية، ونفي النوع لا يوجب نفي الجنس.
فلم يلزم من نفي الإدراك عن الله تعالى نفي الرؤية عن الله تعالى، فهذا وجه حسن مقبول في الاعتراض على كلام الخصم.
فإن قالوا لما بينتم أن الإدراك أمر مغاير للرؤية فقد أفسدتم على أنفسكم الوجوه الأربعة التي تمسكتم بها في هذه الآية في إثبات الرؤية على الله تعالى.
قلنا : هذا بعيد لأن الإدراك أخص من الرؤية وإثبات الأخص يوجب إثبات الأعم.
وأما نفي الأخص لا يوجب نفي الأعم.
فثبت أن البيان الذي ذكرناه يبطل كلامكم ولا يبطل كلامنا.


الصفحة التالية
Icon