الوجه الخامس : هب أن هذه الآية عامة إلا أن الآيات الدالة على إثبات رؤية الله تعالى خاصة والخاص مقدم على العام، وحينئذ ينتقل الكلام من هذا المقام إلى بيان أن تلك الآيات هل تدل على حصول رؤية الله تعالى أم لا ؟
الوجه السادس : أن نقول بموجب الآية فنقول : سلمنا أن الأبصار لا تدرك الله تعالى، فلم قلتم إن المبصرين لا يدركون الله تعالى ؟ فهذا مجموع الأسئلة على الوجه الأول، وأما الوجه الثاني فقد بينا أنه يمتنع حصول التمدح بنفي الرؤية لو كان تعالى في ذاته بحيث تمتنع رؤيته، بل إنما يحصل التمدح لو كان بحيث تصح رؤيته، ثم إنه تعالى يحجب الأبصار عن رؤيته، وبهذا الطريق يسقط كلامهم بالكلية، ثم نقول : إن النفي يمتنع أن يكون سبباً لحصول المدح والثناء، وذلك لأن النفي المحض والعدم الصرف لا يكون موجباً للمدح والثناء والعلم به ضروري، بل إذا كان النفي دليلاً على حصول صفة ثابتة من صفات المدح والثناء.
قيل : بأن ذلك النفي يوجب المدح.
ومثاله أن قوله :﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ لا يفيد المدح نظراً إلى هذا النفي.
فإن الجماد لا تأخذه سنة ولا نوم إلا أن هذا النفي في حق الباري تعالى يدل على كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات أبداً من غير تبدل ولا زوال وكذلك قوله :﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ﴾ [ الأنعام : ١٤ ] يدل على كونه قائماً بنفسه غنياً في ذاته لأن الجماد أيضاً لا يأكل ولا يطعم.
إذا ثبت هذا فنقول : قوله :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الابصار﴾ يمتنع أن يفيد المدح والثناء إلا إذا دل على معنى موجود يفيد المدح والثناء، وذلك هو الذي قلناه، فإنه يفيد كونه تعالى قادراً على حجب الأبصار ومنعها عن إدراكه ورؤيته.
وبهذا التقرير فإن الكلام ينقلب عليهم حجة فسقط استدلال المعتزلة بهذه الآية من كل الوجوه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٠٣ ـ ١٠٦﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon