فكان العرب يثبتون الجنّ وينسبون إليهم تصرّفات، فلأجل ذلك كانوا يتّقون الجنّ وينتسبون إليها ويتّخذون لها المَعاذات والرّقَى ويستجلبون رضاها بالقرابين وترك تسميّة الله على بعض الذبائح.
وكانوا يعتقدون أنّ الكاهن تأتيه الجنّ بالخبر من السّماء، وأنّ الشّاعر له شيطان يوحى إليه الشّعر، ثمّ إذ أخذوا في تعليل هذه التصرّفات وجمعوا بينها وبين معتقدهم في ألوهيّة الله تعالى تعلّلوا لذلك بأنّ للجنّ صلة بالله تعالى فلذلك قالوا : الملائكة بنات الله مِن أمّهاتتٍ سَرَوات الجنّ، كما أشار إليه قوله تعالى :﴿ وجعلوا بينه وبينَ الجِنّة نسباً ﴾ [ الصافات : ١٥٨ ] وقال ﴿ فاستفتهم ألرَبِّك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ألاَ إنّهم من إفكهم ليقولون ولد اللّهُ وإنّهم لكاذبون ﴾ [ الصافات : ١٤٩ ١٥٢ ].
ومن أجل ذلك جَعَل كثير من قبائل العرب شيئاً من عبادتهم للملائكة وللجنّ.
قال تعالى :﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون ﴾ [ سبأ : ٤٠، ٤١ ].
والّذين زعموا أنّ الملائكة بنات الله هم قريش وجُهينة وبنو سلمة وخزاعة وبنو مُليح.
وكان بعض العرب مجوساً عبدوا الشّيطان وزعموا أنّه إلهُ الشرّ وأنّ الله إله الخير، وجعلوا الملائكة جند اللّهِ والجنّ جندَ الشّيطان.
وزعموا أنّ الله خلق الشّيطان من نفسه ثمّ فوّض إليه تدبير الشرّ فصار إله الشرّ.
وهم قد انتزعوا ذلك من الدّيانة المزدكيّة القائلة بإلهين إله للخير وهو ( يَزْدَانْ ).
وإلهٍ للشرّ وهو ( أهْرُمُنْ ) وهو الشّيطان.
فقوله :﴿ الجنّ ﴾ مفعول أوّل ﴿ جعلوا ﴾ و﴿ شركاء ﴾ مفعوله الثّاني، لأنّ الجنّ المقصود من السّياق لا مطلق الشّركاء، لأنّ جعل الشركاء لله قد تقرّر من قبل.
و﴿ لله ﴾ متعلّق بـ ﴿ شركاء ﴾.