وقال الآلوسى :
﴿ وَخَلَقَهُمْ ﴾ حال من فاعل ﴿ جَعَلُواْ ﴾ بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين مؤكدة لما في جعلهم ذلك من الشناعة والبطلان باعتبار علمهم بمضمونها أي وقد علموا أن الله تعالى خالقهم خاصة، وقيل : الضمير ( للجن ) أي والحال أنه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكاً له.
ورجح الأول بخلوه عن تشتت الضمائر ورجح الإمام الثاني بأن عود الضمير إلى أقرب المذكورات واجب، وبأنه إذا رجع الضمير إلى هذا الأقرب صار اللفظ الواحد دليلاً قاطعاً تاماً كاملاً في إبطال المذهب الباطل.
وقرأ يحيى بن يعمر ﴿ وَخَلَقَهُمْ ﴾ على صيغة المصدر عطفاً على ﴿ الجن ﴾ أي وما يخلقونه من الأصنام أو على ﴿ شُرَكَاء ﴾ أي وجعلوا له اختلاقهم للقبائح حيث نسبوها إليه سبحانه وقالوا :﴿ الله أمرنا بها﴾ [ الأعراف : ٢٨ ]. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ وخلقهم ﴾ في موضع الحال والواو للحال.
والضّمير المنصوب في ﴿ خلقهم ﴾ يحتمل أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير ﴿ جعلوا ﴾، أي وخلق المشركين، وموقع هذه الحال التّعجيب من أن يجعلوا لله شركاء وهو خالقهم، من قبيل ﴿ وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون ﴾ [ الواقعة : ٨٢ ]، وعلى هذا تكون ضمائر الجمع متناسقة والتعجيب على هذا الوجه من جعلهم ذلك مع أنّ الله خالقهم في نفس الأمر فكيف لا ينظرون في أنّ مقتضى الخلق أن يُفرد بالإلهيّة إذ لا وجه لدعواها لمن لا يَخلق كقوله تعالى :﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تَذكَّرون ﴾ [ النحل : ١٧ ] فالتّعجيب على هذا من جهلهم وسوء نظرهم.
ويجوز أن يكون ضمير ﴿ وخلقهم ﴾ عائداً إلى الجنّ لصحّة ذلك الضمير لهم باعتبار أنّ لهم عقلاً، وموقع الحال التّعجيب من ضلال المشركين أنّ يشركوا الله في العبادة بعض مخلوقاته مع علمهم بأنّهم مخلوقون لله تعالى، فإنّ المشركين قالوا : إنّ الله خالق الجنّ، كما تقدّم، وأنّه لا خالق إلاّ هو، فالتّعجيب من مخالفتهم لمقتضى علمهم.
فالتّقدير : وخلقهم كما في علمهم، أي وخلقهم بلا نزاع.
وهذا الوجه أظهر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾