وَتِلْكَ الْوَصَايَا لَا تَبْلُغُ عُشْرَ هَذِهِ السُّورَةِ (الْأَنْعَامِ) الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا، بَلْ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ إِلَّا قَلِيلًا وَلَعَلَّ كَثْرَةَ مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ هُوَ الَّذِي حَمَلَ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) وَلِئَلَّا يَقُولُوا دَرَسْتَ، فَإِنَّ الْمَجِيءَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الْمُنْتَظِمَةِ لِلْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ الْمُخْتَلِفَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُنْصِفَ مِنْ دَعْوَى اقْتِبَاسِ الْقُرْآنِ بِالْمُدَارَسَةِ مَعَ آخَرِينَ، وَأَيْنَ هَؤَلَاءِ الْمُدَارِسُونَ ؟ وَلِمَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنَ الرَّسُولِ نَفْسِهِ فِي مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ الْعَالِيَةِ، وَالْبَلَاغَةِ الْمُعْجِزَةِ ؟ كَلَّا إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ جُحُودًا وَمُكَابَرَةً، وَرُبَّمَا نَطَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَادِيَ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ فِي مُخَالَفَتِهِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا وَكَوْنِهِ احْتَجَّ عَلَى جُمْهُورِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ :(قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ١٠ : ١٦ وَقَوْلِهِ (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) ٢٩ : ٤٨ وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَرْتَابُوا وَإِنَّمَا هِيَ الْمُكَابَرَةُ.


الصفحة التالية
Icon