أَنْ يَتَّبِعَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، بِالْبَيَانِ لَهُ وَالْعَمَلِ بِهِ، مُشِيرًا بِإِضَافَةِ اسْمِ الرَّبِّ إِلَى ضَمِيرِهِ، وَنَاصِبًا إِيَّاهُ إِمَامًا لِجَمِيعِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، يَتَرَبَّى بِهِ مِنْ وُفِّقَ مِنْهُمْ لِاتِّبَاعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِمَنْ يَعْمَلُ بِمَا يَعْلَمُ وَيَأْتَمِرُ بِمَا أُمِرَ، وَقَرَنَ هَذَا الْأَمْرَ بِكَلِمَةِ تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، لِبَيَانِ وُجُوبِ مُلَازَمَتِهِ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَكَمَا أَنَّ الْخَالِقَ الْمُرَبِّي لِلْأَشْبَاحِ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ الرِّزْقِ، وَلِلْأَرْوَاحِ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ الْوَحْيِ، وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْخَلْقِ وَلَا فِي الْهِدَايَةِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ بَشَفَاعَةٍ وَلَا وِلَايَةٍ، فَالْأَمْرُ هُنَا بِالِاتِّبَاعِ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي أَكْثَرِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَمَلِ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ كَوْنِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ التَّبْلِيغِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَقْرُونِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، بِأَنْ لَا يُبَالِيَ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَلَا بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ لَهُ : دَارَسْتَ أَوْ دَرَسْتَ لِأَنَّ الْحَقَّ يَعْلُو مَتَى ظَهَرَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ مَعَ الْإِخْلَاصِ، لَا يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ بِخُرَافَاتِ الْأَعْمَالِ وَلَا بِزَخَارِفِ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ هَوَّنَ عَلَيْهِ أَمْرَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ :(وَلَوْ شَاءَ