فصل
قال الفخر :
ذكروا في سبب نزول الآية وجوهاً :
الأول : قال ابن عباس : لما نزل ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] قال المشركون : لئن لم تنته عن سب آلهتنا وشتمها لنهجون إلهك فنزلت هذه الآية، أقول : لي ههنا إشكالان : الأول : أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة فكيف يمكن أن يقال : إن سبب نزول هذه الآية كذا وكذا.
الثاني : أن الكفار كانوا مقرين بالإله تعالى وكانوا يقولون : إنما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى، وإذا كان كذلك، فكيف يعقل إقدامهم على شتم الله تعالى وسبه.
والقول الثاني : في سبب نزول هذه الآية.
قال السدي : لما قربت وفاة أبي طالب قالت قريش : ندخل عليه ونطلب منه أن ينهى ابن أخيه عنا فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب : كان يمنعه فلما مات قتلوه.
فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث مع جماعة إليه وقالوا له : أنت كبيرنا وخاطبوه بما أرادوا.
فدعا محمداً عليه الصلاة والسلام وقال : هؤلاء قومك وبنو عمك يطلبون منك أن تتركهم على دينهم، وأن يتركوك على دينك فقال عليه الصلاة والسلام :" قولوا لا إله إلا الله " فأبوا فقال أبو طالب : قل غير هذه الكلمة فإن قومك يكرهونها.
فقال عليه الصلاة والسلام :" ما أنا بالذي أقول غيرها حتى تأتوني بالشمس فتضعوها في يدي " فقالوا له اترك شتم آلهتنا وإلا شتمناك، ومن يأمرك بذلك فذلك قوله تعالى :﴿فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.
واعلم أنا قد دللنا على أن القوم كانوا مقرين بوجود الإله تعالى فاستحال إقدامهم على شتم الإله بل ههنا احتمالات : أحدها : أنه ربما كان بعضهم قائلاً بالدهر ونفي الصانع فما كان يبالي بهذا النوع من السفاهة.
وثانيها : أن الصحابة متى شتموا الأصنام فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله :﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ] وكقوله :﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ] وثالثها : أنه ربما كان في جهالهم من كان يعتقد أن شيطاناً يحمله على ادعاء النبوة والرسالة، ثم إنه لجهله كان يسمي ذلك الشيطان بأنه إله محمد عليه الصلاة والسلام فكان يشتم إله محمد بناء على هذا التأويل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١٤ ـ ١١٥﴾