البحث الرابع : اعلم أنه تعالى قال :﴿وكذلك نُصَرّفُ الأيات﴾ ثم ذكر الوجه الذي لأجله صرف هذه الآيات وهو أمران : أحدهما قوله تعالى :﴿وَلِيَقُولُواْ﴾ والثاني قوله :﴿دَرَسْتَ وَلِنُبَيّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أما هذا الوجه الثاني فلا إشكال فيه لأنه تعالى بين أن الحكمة في هذا التصريف أن يظهر منه البيان والفهم والعلم.
وإنما الكلام في الوجه الأول وهو قوله :﴿وَلِيَقُولُواْ دارست﴾ لأن قولهم للرسول دارست كفر منهم بالقرآن والرسول، وعند هذا الكلام عاد بحث مسألة الجبر والقدر.
فأما أصحابنا فإنهم أجروا الكلام على ظاهره فقالوا معناه إنا ذكرنا هذه الدلائل حالاً بعد حال ليقول بعضهم دارست فيزداد كفراً على كفر، وتثبيتاً لبعضهم فيزداد إيماناً على إيمان، ونظيره قوله تعالى :﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [ البقرة : ٢٦ ] وقوله :﴿وَأَمَّا الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ﴾ [ التوبة : ١٢٥ ] وأما المعتزلة فقد تحيروا.
قال الجبائي والقاضي : وليس فيه إلا أحد وجهين : الأول : أن يحمل هذا الإثبات على النفي، والتقدير : وكذلك نصرف الآيات لئلا يقولوا درست.
ونظيره قوله تعالى :﴿يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ﴾ ومعناه : لئلا تضلوا.
والثاني : أن تحمل هذه اللام على لام العاقبة.
والتقدير : أن عاقبة أمرهم عند تصريفنا هذه الآيات أن يقولوا هذا القول مستندين إلى اختيارهم، عادلين عما يلزم من النظر في هذه الدلائل.
هذا غاية كلام القوم في هذا الباب.
ولقائل أن يقول : أما الجواب الأول فضعيف من وجهين : الأول : أن حمل الإثبات على النفي تحريف لكلام الله وتغيير له، وفتح هذا الباب يوجب أن لا يبقى وثوق لا بنفيه ولا بإثباته، وذلك يخرجه عن كونه حجة وأنه باطل.


الصفحة التالية
Icon