الشَّيْطَانِ فَرُوحِيَّةٌ وَهُوَ مَلَاكٌ يَمْتَازُ بِكُلِّ مَا تَمْتَازُ بِهِ هَذِهِ الرُّتْبَةُ مِنَ الْكَائِنَاتِ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلَّهِ مَطْرُودًا مِنْ وَجْهِهِ - غَيْرَ أَنَّ طَرْدَهُ إِلَى عَالَمِ الظُّلْمَةِ لَا يَمْنَعُ اشْتِغَالَهُ فِي الْأَرْضِ كَإِلَهِ هَذَا الْعَالَمِ وَعَدُوًّا لِلْإِنْسَانِ وَخَالِقِهِ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ كَلَامٌ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ مِمَّا يُؤْثَرُ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبَعْضُ مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ وَالتَّقْرِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُلُومِ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَا يُحْفَظُ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ لَهُ أَصِلٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ، خَلَطُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَجَعَلُوا الْحَقِيقَةَ مَجَازًا وَالْمَجَازَ حَقِيقَةً، عَلَى نَحْوِ مَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَحْرِيفِهِمْ مَعْنَى كَلِمَةِ اللهِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا عَنِ التَّكْوِينِ فَجَعَلُوهَا ذَاتًا فَاعِلَةً خَالِقَةً وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ إِلَهًا وَبَعْضُهُمُ " ابْنَ اللهِ " وَتَحْرِيفِهِمْ مَعْنَى رُوحِ الْقُدُسِ كَذَلِكَ، وَكَلِمَةِ " ابْنٍ " الْمَجَازِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَاخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ (ج ٣ تَفْسِيرٍ) فَلَا تُتَّخَذُ مُوَافَقَةُ الْوَحْيِ لِبَعْضِ تِلْكَ الْأَسَاطِيرِ شُبْهَةً عَلَى الْوَحْيِ. وَسَنَزِيدُ مَسْأَلَةَ عِبَادَةِ الْجِنِّ بَيَانًا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon