مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ لَهُ جِنْسٌ فَيَكُونَ لَهُ مِنْهُ زَوْجٌ وَلِذَلِكَ قَالَ :(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ) أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ - وَهُوَ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ - وَلَدٌ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجٌ يَنْشَأُ الْوَلَدُ مِنِ ازْدِوَاجِهِ بِهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْوَلَدِ إِلَّا مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صُدُورُ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ عَنْهُ صُدُورُ إِيجَادٍ إِبْدَاعِيٍّ لِلْأُصُولِ الْأُولَى، وَإِيجَادٍ سَبَبِيٍّ كَالْوَالِدِ بَيْنَهَا بِحَسَبِ سُنَنِهِ فِي التَّوَالِي، وَلِذَلِكَ قَالَ :(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) خَلْقًا وَلَمْ يَلِدْهُ وِلَادَةً، فَمَا خَرَقْتُمْ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ مَخْلُوقٌ لَهُ لَا مَوْلُودٌ مِنْهُ، فَإِنْ خَرَجْتُمْ عَنْ وَضْعِ اللُّغَاتِ وَسَمَّيْتُمْ صُدُورَ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْهُ وِلَادَةً فَكُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَكُونُ مِنْ وَلَدِهِ، وَحِينَئِذٍ يَفُوتُكُمْ مَا أَرَدْتُمْ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُقَرِّرَةٌ لِإِنْكَارِ نَفْيِ الْوَلَدِ، أَوْ حَالٍ بَعْدَ حَالٍ، وَاسْتِدْلَالٍ بَعْدَ اسْتِدْلَالٍ، وَمَثَلُهَا قَوْلُهُ :(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وَبَيَانُهُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ذَاتِيٌّ لَهُ، وَلَا يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ٦٧ : ١٤ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَكَانَ هُوَ أَعْلَمَ بِهِ وَلَهَيَّأَ الْعُقُولَ إِلَيْهِ بِآيَاتِ الْوَحْيِ وَدَلَائِلِ الْعِلْمِ، وَلَكِنَّهُ كَذَّبَ الَّذِينَ خَرَقُوهُ لَهُ -


الصفحة التالية
Icon