(ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) الْخُطَّابُ لِلْمُشْرِكِينَ الْمَحْجُوجِينَ أَوْ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْأَشْيَاءِ، وَإِحَاطَةُ الْعِلْمِ بِالْجَلِيَّاتِ وَالْخَفِيَّاتِ مِنَ الْمَشْهُودَاتِ وَالْغَائِبَاتِ، أَيْ ذَلِكَ الَّذِي شَأْنُهُ مَا ذَكَرَ هُوَ اللهُ رَبُّكُمْ لَا مَنْ خَرَقُوا لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَأَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَاعْبُدُوهُ إِذًا وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّمَا الْإِلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ الرَّبُّ الْخَالِقُ وَمَا عَدَاهُ مَخْلُوقٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدَ خَالِقَهُ، فَكَيْفَ يَعْبُدُهُ وَيُؤَلِّهُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ ؟ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أَيْ وَهُوَ مَعَ كُلِّ مَا ذَكَرَ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُدَبِّرُهُ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، يُقَالُ : فُلَانٌ وَكَيْلٌ عَلَى عَقَارِ فُلَانٍ وَمَالِهِ، وَقِيلَ : إِنَّ الْوَكِيلَ هُنَا بِمَعْنَى الرَّقِيبِ، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ :
(ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ٤٠ : ٦٢ قَامَ فِيهِ وَصْفُهُ بِالْخَلْقِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ عَكْسَ مَا هُنَا، لِأَنَّ مَا هُنَا رَدٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَنَاسَبَ فِيهِ تَقْدِيمُ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَآيَةُ سُورَةِ " الْمُؤْمِنِ " جَاءَتْ بَيْنَ آيَاتٍ فِي خَلْقِ وَنِعَمِ اللهِ فِيهِ فَنَاسَبَ تَقْدِيمُ الْوَصْفِ بِالْخَلْقِ فِيهَا عَلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَةٌ لِذَلِكَ وَغَايَةٌ.


الصفحة التالية
Icon