الْبَحْرِ، وَمِنْهُ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ٤ : ١٤٥ قُرِئَ بِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ : الدَّرْجُ كَالدَّرْكِ لَكِنَّ الدَّرْجَ يُقَالُ بِاعْتِبَارِ الصُّعُودِ وَالدَّرْكَ اعْتِبَارًا بِالْحُدُورِ وَأَدْرَكَ بَلَغَ أَقْصَى الشَّيْءِ، وَأَدْرَكَ الصَّبِيُّ بَلَغَ غَايَةَ الصِّبَا وَذَلِكَ حِينَ الْبُلُوغِ، انْتَهَى وَيُقَالُ فِيمَا بَعُدَ أَوْ دَقَّ أَوْ خَفِيَ : لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، فَإِنَّ اجْتِهَادَ النَّظَرِ لِإِدْرَاكِ مَا لَطُفَ وَدَقَّ إِعْمَالُهُ فِي مُحَاوَلَةِ إِبْصَارِ الْبَعِيدِ، فَفِي الْإِدْرَاكِ مَعْنَى اللُّحُوقِ وَمَعْنَى بُلُوغِ غَايَةِ الشَّيْءِ، وَمِنْ هُنَا فَسَّرَ الْجُمْهُورُ الْإِدْرَاكَ فِي الْآيَةِ بِرُؤْيَةِ الْإِحَاطَةِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كُنْهُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَتَكُونُ بِمَعْنَى (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) ٢٠ : ١١٠ نَفْيُ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ أَصْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ إِدْرَاكِ الْبَصَرِ لِلشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا أَقْوَى مَا جَمَعَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ النَّاطِقَةِ بِرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَمَنْ سَلَّمَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ قَوْلَهُمْ إِنَّ الْإِدْرَاكَ هُنَا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا قَالُوا : إِنَّ النَّفْيَ خَاصٌّ بِحَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي يَعْهَدُهَا الْمُخَاطَبُونَ وَلَا يَعْرِفُونَ فِيهَا رُؤْيَةً إِلَّا لِلْأَجْسَامِ وَصِفَاتِهَا مِنَ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، وَهِيَ الَّتِي


الصفحة التالية
Icon