(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمِ) الْبَصَائِرُ : جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَلَهَا مَعَانٍ مِنْهَا عَقِيدَةُ الْقَلْبِ وَالْمَعْرِفَةُ الثَّابِتَةُ بِالْيَقِينِ، أَوِ الْيَقِينُ فِي الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالْعِبْرَةُ وَالشَّاهِدُ، أَوِ الشَّهِيدُ الْمُثْبِتُ لِلْأَمْرِ، وَالْحُجَّةُ أَوِ الْفَطِنَةُ، أَوِ الْقُوَّةُ الَّتِي تُدْرَكُ بِهَا الْحَقَائِقُ الْعِلْمِيَّةُ. وَهَذَا يُقَابِلُ الْبَصَرَ الَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْأَشْيَاءُ الْحِسِّيَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ لِبَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ : إِنَّكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ تُصَابُونَ فِي أَبْصَارِكُمْ. وَقَوْلُ الْهَاشِمِيِّ لَهُ : وَأَنْتُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ تُصَابُونَ فِي بَصَائِرِكُمْ. أَيْ قُلُوبِكُمْ وَعُقُولِكُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْبَصَائِرِ هُنَا : الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَوْ فِي هَذَا السِّيَاقِ الَّذِي أَوَّلَهُ (إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) أَوْ هِيَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُثْبِتَةِ لِحَقَائِقِ الدِّينِ أَوِ الْقُرْآنِ بِجُمْلَتِهِ، وَرُبَّمَا يَرْجِعُ هَذَا بِتَذْكِيرِ الْفِعْلِ " جَاءَكُمْ " إِذْ لَا بُدَ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَأَقْوَى النُّكَتِ وُقُوعُ اللَّفْظِ الْمُؤَنَّثِ عَلَى مَعْنَى مُذَكَّرٍ، وَالْخِطَابُ وَارِدٌ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ