والكاف في قوله :﴿ كما لم يؤمنوا به ﴾ على هذا الوجه للتّعليل كَقوله :﴿ واذكروه كما هداكم ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ].
وأقول : هذا الوجه يناكده قوله ﴿ أوّل مرّة ﴾ إذ ليس ثمّة مرّتان على هذا الوجه الثّاني، فيتعيّن تأويل ﴿ أوّل مرّة ﴾ بأنّها الحياة الأولى في الدّنيا.
والتّقليب مصدر قلّب الدالّ على شدّة قلب الشّيء عن حاله الأصليّة.
والقلب يكون بمعنى جعل المقابل للنظر من الشيء غير مقابل، كقوله تعالى :﴿ فأصبح يُقلِّب كفَّيْه على ما أنفق فيها ﴾ [ الكهف : ٤٢ ]، وقولهم : قَلَب ظَهْر المِجَن، وقريب منه قوله :﴿ قد نرى تقلّب وجهك في السّماء ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ] ؛ ويكون بمعنى تغيير حالة الشيء إلى ضدّها لأنّه يشبه قلب ذات الشّيء.
والكاف في قوله :﴿ كما لم يؤمنوا به ﴾ الظّاهر أنّها للتّشبيه في محلّ حال من ضمير ﴿ لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ]، و"ما" مصدريّة.
والمعنى : لا يؤمنون مثل انتفاء إيمانهم أوّل مرّة.
والضّمير المجرور بالباء عائد إلى القرآن لأنّه معلوم من السّياق كما في قوله :﴿ وكذّب به قومك ﴾ [ الأنعام : ٦٦ ]، أي أنّ المكابرة سجيّتهم فكما لم يؤمنوا في الماضي بآية القرآن وفيه أعظم دليل على صدق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يؤمنون في المستقبل بآيةٍ أخرى إذا جاءتهم.
وعلى هذا الوجه يكون قوله :﴿ ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم ﴾ معترضاً بالعطف بين الحال وصاحبها.
ويجوز أن يجعل التّشبيه للتقليب فيكون حالاً من الضّمير في ﴿ نقلّب ﴾، أي نقلّب أفئدتهم وأبصارهم عن فطرة الأفئدة والأبصار كما قلّبناها فلم يؤمنوا به أوّل مرّة إذ جمحوا عن الإيمان أوّلَ ما دعاهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ويصير هذا التّشبيه في قوّة البيان للتّقليب المجعول حالاً من انتفاء إيمانهم بأنّ سبب صدورهم عن الإيمان لا يزال قائماً لأنّ الله حرمهم إصلاح قلوبهم.


الصفحة التالية
Icon