الوجه الأول : دخلت الكاف على محذوف تقديره فلا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات، والتقدير فلا يؤمنون في المرة الثانية من ظهور الآيات كما لم يؤمنوا به في المرة الأولى، وأما الكناية في ﴿بِهِ﴾ فيجوز أن تكون عائدة إلى القرآن أو إلى محمد عليه الصلاة والسلام، أو إلى ما طلبوا من الآيات.
الوجه الثاني : قال بعضهم : الكاف في قوله :﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ بمعنى الجزاء، ومعنى الآية ونقلب أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم على تركهم الإيمان في المرة الأولى، يعني كما لم يؤمنوا به أول مرة، فكذلك نقلب أفئدتهم وأبصارهم في المرة الثانية، وعلى هذا الوجه فليس في الآية محذوف ولا حاجة فيها إلى الإضمار.
وأما قوله تعالى :﴿وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ فالجبائي قال :﴿وَنَذَرُهُمْ﴾ أي لا نحول بينهم وبين اختيارهم ولا نمنعهم من ذلك بمعاجلة الهلاك وغيره، لكنا نمهلهم فإن أقاموا على طغيانهم فذلك من قبلهم، وهو يوجب تأكيد الحجة عليهم، وقال أصحابنا : معناه إنا نقلب أفئدتهم من الحق إلى الباطل ونتركهم في ذلك الطغيان وفي ذلك الضلال والعمه.
ولقائل أن يقول للجبائي : إنك تقول إن إله العالم ما أراد بعبيده إلا الخير والرحمة، فلم ترك هذا المسكين حتى عمه في طغيانه ؟ ولم لا يخلصه عنه على سبيل الإلجاء والقهر ؟ أقصى ما في الباب أنه إن فعل به ذلك لم يكن مستحقاً للثواب فيفوته الاستحقاق فقط، ولكن يسلم من العقاب، أما إذا تركه في ذلك العمه مع علمه بأنه يموت عليه، فإنه لا يحصل استحقاق الثواب.
ويحصل له العقاب العظيم الدائم، فالمفسدة الحاصلة عند خلق الإيمان فيه على سبيل الإلجاء مفسدة واحدة وهي فوت استحقاق الثواب، أما المفسدة الحاصلة عند إبقائه على ذلك العمه والطغيان حتى يموت عليه فهي فوت استحقاق الثواب مع استحقاق العقاب الشديد، والرحيم المحسن الناظر لعباده لا بد وأن يرجح الجانب الذي هو أكثر صلاحاً وأقل فساداً، فعلمنا أن إبقاء ذلك الكافر في ذلك العمه والطغيان يقدح في أنه لا يريد به إلا الخير والإحسان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٢٠ ـ ١٢٢﴾


الصفحة التالية
Icon