الوجه الأول : وهو الذي ذكره الجبائي قال : إن هذا الكلام خرج مخرج الأمر ومعناه الزجر، كقوله تعالى :﴿واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ﴾ [ الإسراء : ٦٤ ] وكذلك قوله :﴿وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ﴾ [ الأنعام : ١١٣ ] وتقدير الكلام كأنه قال للرسول : فذرهم وما يفترون ثم قال لهم على سبيل التهديد ولتصغى إليه أفئدتهم وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون.
والوجه الثاني : وهو الذي اختاره الكعبي أن هذه اللام لام العاقبة أي ستؤل عاقبة أمرهم إلى هذه الأحوال.
قال القاضي : ويبعد أن يقال : هذه العاقبة تحصل في الآخرة، لأن الإلجاء حاصل في الآخرة، فلا يجوز أن تميل قلوب الكفار إلى قبول المذهب الباطل، ولا أن يرضوه ولا أن يقترفوا الذنب، بل يجب أن تحمل على أن عاقبة أمرهم تؤل إلى أن يقبلوا الأباطيل ويرضوا بها ويعملوا بها.
والوجه الثالث : وهو الذي اختاره أبو مسلم.
قال :"اللام" في قوله :﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة﴾ متعلق بقوله :﴿يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] والتقدير أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ﴾ الذنوب ويكون المراد أن مقصود الشياطين من ذلك الإيحاء هو مجموع هذه المعاني.
فهذا جملة ما ذكروه في هذا الباب.
أما الوجه الأول : وهو الذي عول عليه الحبائي فضعيف من وجوه ذكرها القاضي.
فأحدها : أن "الواو" في قوله :﴿وَلِتَصْغَى﴾ تقتضي تعلقه بما قبله فحمله على الابتداء بعيد.
وثانيها : أن "اللام" في قوله :﴿وَلِتَصْغَى﴾ لام كي فيبعد أن يقال : إنها لام الأمر ويقرب ذلك من أن يكون تحريفاً لكلام الله تعالى وأنه لا يجوز.