وقوله :﴿ قِبَلاً ﴾ قرأه نافع، وابن عامر، وأبو جعفر بكسر القاف وفتح الباء، وهو بمعنى المقابلة والمواجهة، أي حشرنا كلّ شيء من ذلك عياناً.
وقرأه الباقون بضمّ القاف والباء وهو لغة في قِبَل بمعنى المواجهة والمعاينة ؛ وتأوّلها بعض المفسّرين بتأويلات أخرى بعيدة عن الاستعمال، وغير مناسبة للمعنى. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾
فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
المراد من الآية أنه تعالى لو أظهر جميع تلك الأشياء العجيبة الغريبة لهؤلاء الكفار فإنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله إيمانهم.
قال أصحابنا : فلما لم يؤمنوا دل ذلك الدليل على أنه تعالى ما شاء منهم الإيمان، وهذا نص في المسألة.
قالت المعتزلة : دل الدليل على أنه تعالى أراد الإيمان من جميع الكفار، والجبائي ذكر الوجوه المشهورة التي لهم في هذه المسألة.
أولها : أنه تعالى لو لم يرد منهم الإيمان لما وجب عليهم الإيمان كما لو لم يأمرهم لم يجب عليهم.
وثانيها : لو أراد الكفر من الكافر لكان الكافر مطيعاً لله بفعل الكفر، لأنه لا معنى للطاعة إلا بفعل المراد، وثالثها : لو جاز من الله أن يريد الكفر لجاز أن يأمر به، ورابعها : لو جاز أن يريد منهم الكفر لجاز أنه يأمرنا بأن نريد منهم الكفر.
قالوا : فثبت بهذه الدلائل أنه تعالى ما شاء إلا الإيمان منهم وظاهره هذه الآية يقتضي أنه تعالى ما شاء الإيمان منهم، والتناقض بين الدلائل ممتنع فوجب التوفيق، وطريقه أن نقول إنه تعالى شاء من الكل الإيمان الذي يفعلونه على سبيل الاختيار وأنه تعالى ما شاء منهم الإيمان الحاصل على سبيل الإلجاء والقهر وبهذا الطريق زال الإشكال.