كلامٌ مستأنفٌ واردٌ على إرادة القولِ، والهمزةُ للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلامُ أي قل لهم : أأمِيلُ إلى زخارف الشياطينِ فأبتغيَ حكماً غيرَ الله يحكمُ بيننا ويفصل المحِقَّ منا من المبْطِل؟ وقيل : إن مشركي قريش قالوا لرسول الله ﷺ : اجعلْ بيننا وبينك حكَماً من أحبار اليهود أو من أساقفة النصارى ليخبرَنا عنك بما في كتابهم من أمرك فنزلت. وإسنادُ الابتغاءِ المنكرِ إلى نفسه ﷺ لا إلى المشركين كما في قوله تعالى :﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ ﴾ مع أنهم الباغون لإظهار كمالِ النَّصَفةِ أو لمراعاة قولِهم : اجعلْ بيننا وبينك حكماً. وغيرَ إما مفعولُ أبتغي وحكَماً حالٌ منه وإما بالعكس، وأياً ما كان فتقديمُه على الفعل الذي هو المعطوفُ بالفاء حقيقةً كما أشير إليه للإيذان بأن مدارَ الإنكارِ هو ابتغاءُ غيرِه تعالى حكماً لا مطلقُ الابتغاء. وقيل : حكماً تمييزٌ لما في ( غيرَ ) من الإبهام كقولهم : إن لنا غيرَها إبلاً. قالوا : الحكَمُ أبلغُ من الحاكمِ وأدلُّ على الرسوخ لما أنه لا يُطلق إلا على العادل وعلى مَنْ تكرَّر منه الحكمُ بخلاف الحاكم وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب ﴾ جملةٌ حاليةٌ مؤكدةٌ لإنكار ابتغاءِ غيرِه تعالى حكماً، ونسبةُ الإنزالِ إليهم خاصةً مع أن مقتضى المقامِ إظهارُ تساوي نسبتِه إلى المتحاكِمَيْن لاستمالتهم نحوَ المُنْزَل واستنزالِهم إلى قبول حكمِه بإيهام قوةِ نسبتِه إليهم، أي أغيرَه تعالى أبتغي حكَماً والحالُ أنه هو الذي أنزلَ إليكم.