وإذا عرفت انحصار مباحث القرآن في هذين القسمين فنقول : قال تعالى :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً﴾ إن كان من باب الخبر ﴿وَعَدْلاً﴾ إن كان من باب التكاليف، وهذا ضبط في غاية الحسن.
والقول الثاني : في تفسير قوله :﴿وَعَدْلاً﴾ أن كل ما أخبر الله تعالى عنه من وعد ووعيد وثواب وعقاب فهو صدق لأنه لا بد وأن يكون واقعاً، وهو بعد وقوعه عدل لأن أفعاله منزهة عن أن تكون موصوفة بصفة الظلمية.
الصفة الرابعة : من صفات كلمة الله قوله :﴿لاَ مُبَدّلَ لكلماته﴾ وفيه وجوه : الأول : أنا بينا أن المراد من قوله :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ﴾ أنها تامة في كونها معجزة دالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال :﴿لاَّ مُبَدّلَ لكلماته﴾ والمعنى أن هؤلاء الكفار يلقون الشبهات في كونها دالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام إلا أن تلك الشبهات لا تأثير لها في هذه الدلائل التي لا تقبل التبديل ألبتة لأن تلك الدلالة ظاهرة باقية جلية قوية لا تزول بسبب ترهات الكفار وشبهات أولئك الجهال.
والوجه الثاني : أن يكون المراد أنها تبقى مصونة عن التحريف والتغيير كما قال تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ [ الحجر : ٩ ].
والوجه الثالث : أن يكون المراد أنها مصونة عن التناقض كما قال :﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ [ النساء : ٨٢ ].
والوجه الرابع : أن يكون المراد أن أحكام الله تعالى لا تقبل التبديل والزوال لأنها أزلية والأزلي لا يزول.
واعلم أن هذا الوجه أحد الأصول القوية في إثبات الجبر، لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسعادة وعلى عمرو بالشقاوة، ثم قال :﴿لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَات الله﴾ يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقياً وأن ينقلب الشقي سعيداً، فالسعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٣١ ـ ١٣٣﴾


الصفحة التالية
Icon