فكان ذلك اللّزوم هو علاقة المجاز.
وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ فمن بدّله بعد ما سمعه ﴾ في سورة البقرة ( ١٨١ ).
وقد استعمل في قوله : لا مبدل لكلماته } مجازا في معنى المعارضة أو النقض على الاحتمالين في معنى التّمام من قوله :﴿ وتمت كلمات ربك ﴾ ونفي المبَدّل كناية عن نفي التَبْديل.
فإن كان المراد بالكلمات القرآن، كما تقدّم، فمعنى انتفاء المبدّل لكلماته : انتفاء الإتيان بما ينقضه ويبطله أو يعارضه، بأن يُظهر أنّ فيه ما ليس بتمام.
فإن جاء أحد بما ينقضه كذباً وزوراً فليس ذلك بنقض.
وإنَّما هو مكابرة في صورة النقض، بالنّسبة إلى ألفاظ القرآن ونظمه، وانتفاءُ ما يبطل معانيَه وحقائقَ حكمته، وانتفاء تغيير ما شرعه وحكَم به.
وهذا الانتفاء الأخير كناية عن النّهي عن أن يخالفهُ المسلمون.
وبذلك يكون التّبديل مستعملاً في حقيقته ومجازه وكنايته.
ويجوز أن تكون جملة :﴿ وتمت كلمات ربك ﴾ عطفاً على جملة :﴿ جعلنا لكلّ نبيء عدوّا ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] وما بينهما اعتراضاً، فالكلمات مراد بها ما سنّه الله وقدّره : من جعل أعداءَ لكلّ نبي يزخرفون القول في التّضليل، لتصغى إليهم قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويتبّعوهم، ويقترفوا السيئات، وأنّ المراد بالتّمام التّحقّق، ويكون قوله :﴿ لا مبدل لكلماته ﴾ نفي أن يقدر أحد أن يغيّر سنّة الله وما قضاه وقدّره، كقوله :﴿ فلن تجد لِسُنَّتتِ الله تبديلاً ولن تجد لِسُنَّتتِ الله تحويلاً ﴾ [ فاطر : ٤٣ ] فتكون هذه الآية في معنى قوله :﴿ ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات الله ﴾ [ الأنعام : ٣٤ ].
ففيها تأنيس للرسول ﷺ وتطمين له وللمؤمنين بحلول النّصر الموعود به في إبَّانه.