وعن بعض الصالحين قال : حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا أرض الحجاز، انقطعت عن الحاج وغفلت قليلاً فلم أشعر ليلاً إلا وأنا وحدي في البرية فلاح لي شخص أمامي فأسرعت إليه ولحقته، وإذا به غلام أمرد لا نبات بعارضيه كأنه القمر المنير والشمس الضاحية وعليه أثر الدلال والترف، فقلت له : السلام عليك يا غلام، فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا إبراهيم فعجبت منه كل العجب ورابني أمره، فلم أتمالك أن قلت له يا غلام سبحان الله من أين تعرفني ولم ترني قبلها؟ فقال لي : يا إبراهيم ما جهلت مذ عرفت ولا قطعت مذ وصلت، فقلت : ما الذي أوقعك في هذه البرية في مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ؟ فأجابني يا إبراهيم ما آنس بسواه ولا رافقت غيره وأنا منقطع إليه بالكلية مقرّ له بالعبودية، فقلت له : من أين المأكول والمشروب فقال لي : تكفل به المحبوب فقلت والله إني خائف عليك لأجل ما ذكرت لك فأجابني ودموعه تتحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب.
فلو أجوع فذكر الله يشبعني
ولا أكون بحمد الله عطشانا
وإن ضعفت فوجد منه يحملني
من الحجاز إلى أقصى خراسانا
فقلت له : بالله عليك يا غلام إلا ما أعلمتني حقيقة عمرك؟ فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لي باللحوق إلى أصحابي فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم إذا أنا بالغلام وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يبكي ويناجي ثم وقع ساجداً ومات إلى رحمة الله تعالى، ثم رأيته في المنام فقلت ما الذي فعل بك إلهك فقال أوقفني بين يديه وقال لي ما بغيتك فقلت إلهي وسيدي أنت بغيتي، فقال لي :
أنت عبدي حقاً ولك عندي أن أحجب عنك ما تريد، فقلت : أريد أن تشفعني في القرن الذي أنا فيه، قال شفعتك فيه ثم إنه صافحني فاستيقظت بعد المصافحة فلم أر أحداً إلا ويقول لي يا إبراهيم لقد أزعجت الناس من طيب رائحة يدك.
قال بعض المحدثين : ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد إبراهيم حتى قضى نحبه رحمه الله رحمة واسعة. أ هـ ﴿روح البيان حـ ٣ صـ ١١٢ ـ ١١٤﴾. بتصرف يسير.


الصفحة التالية
Icon