التمرد والطُّغيانِ، وأما ما سبق القضاءُ عليهم بالكفر فمن الأحكامِ المترتبةِ على ذلك حسبما ينبىء عنه قولُه عز وجل :﴿ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء الله ﴾ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوالِ، والالتفاتُ إلى الاسم الجليل لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة، أي ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماعِ ما ذكر من الأمورِ الموجبةِ للإيمان في حال من الأحوال الداعيةِ إليه المتمِّمة لموجباته المذكورةِ إلا في حال مشيئتِه تعالى لإيمانهم أو من أعمّ العللِ أي ما كانوا ليؤمنوا لعلة من العلل المعدودةِ وغيرِها إلا لمشيئته تعالى له، وأياً ما كان فليس المرادُ بالاستثناء بيانَ أن إيمانَهم على خطر الوقوعِ بناءً على كون مشيئتِه تعالى أيضاً كذلك بل بيانَ استحالةِ وقوعِه بناءً على استحالة وقوعِها كأنه قيل : ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وهيهاتَ ذلك وحالُهم حالُهم بدليل ما سبق من قوله تعالى :﴿ وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ﴾ الآية، كيف لا وقولُه عز وجل :﴿ ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ استدراكٌ من مضمون الشرطيةِ بعد ورودِ الاستثناءِ لا قبله، ولا ريبَ في أن الذي يجهلونه سواءٌ أريد بهم المسلمون وهو الظاهرُ، أو المُقسِمون ليس عدمَ إيمانِهم بلا مشيئة الله تعالى كما هو اللازمُ من حمل النظمِ الكريمِ على المعنى الأولِ فإنه ليس مما يعتقده الأولون ولا مما يدّعيه الآخَرون بل إنما هو عدمُ إيمانهم لعدم مشيئتِه إيمانَهم ومرجعُه إلى جهلهم بعدم مشيئتِه إياه فالمعنى أن حالَهم كما شُرح ولكن أكثر المسلمين يجهلون عدمَ إيمانِهم عند مجيءِ الآياتِ لجهلهم عدمَ مشيئتِه تعالى لإيمانهم فيتمنَّوْن مجيئَها طمعاً فيما لا يكون. فالجملةُ مقرِّرةٌ لمضمون قوله تعالى :﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ ﴾ الخ، على القراءة المشهورة، أو ولكن أكثرَ المشركين يجهلون عدمَ إيمانِهم عند مجيء الأيات لجهلهم عدم