فأنت الذي صيرتهم لي حسداً.. وأجاب الكعبي عنه : بأنه تعالى أمر الأنبياء بعدواتهم وأعلمهم كونهم أعداء لهم، وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء.
لأن العداوة لا تحصل إلا من الجانبين، فلهذا الوجه جاز أن يقال إنه تعالى جعلهم أعداء للأنبياء عليهم السلام.
واعلم أن هذه الأجوبة ضعيفة جداً لما بينا أن الأفعال مستندة إلى الدواعي، وهي حادثة من قبل الله تعالى، ومتى كان الأمر كذلك.
فقد صح مذهبنا.
ثم ههنا بحث آخر : وهو أن العداوة والصداقة يمتنع أن تحصل باختيار الإنسان، فإن الرجل قد يبلغ في عداوة غيره إلى حيث لا يقدر ألبتة على إزالة تلك الحالة عن قلبه، بل قد لا يقدر على إخفاء آثار تلك العداوة، ولو أتى بكل تكلف وحيلة لعجز عنه، ولو كان حصول العداوة والصداقة في القلب باختيار الإنسان لوجب أن يكون الإنسان متمكناً من قلب العداوة بالصداقة وبالضد وكيف لا نقول ذلك والشعراء عرفوا أن ذلك خارج عن الوسع ؟ قال المتنبي :
يراد من القلب نسيانكم.. وتأبى الطباع على الناقل
والعاشق الذي يشتد عشقه قد يحتال بجميع الحيل في إزالة عشقه ولا يقدر عليه، ولو كان حصول ذلك الحب والبغض باختياره لما عجز عن إزالته. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٢٥ ـ ١٢٦﴾


الصفحة التالية
Icon