وقال القرطبى :
﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً ﴾
عبارة عما يوسوس به شياطين الجن إلى شياطين الإنس.
وسُمِّيَ وَحْياً لأنه إنما يكون خفية، وجعل تمويههم زخرفاً لتزيينهم إياه ؛ ومنه سمي الذهب زخرفا.
وكل شيء حسَن مُمَوّه فهو زُخْرُف.
والمزخرَف المزيّن.
وزخارف الماء طرائقه.
و"غُرُوراً" نصب على المصدر، لأن معنى "يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ" يغرونهم بذلك غروراً.
ويجوز أن يكون في موضع الحال.
والغرور الباطل.
قال النحاس : ورُوي عن ابن عباس بإسناد ضعيف أنه قال في قول الله عز وجل :"يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ" قال : مع كل جني شيطان، ومع كل إنسيّ شيطان، فيلقى أحدهما الآخر فيقول : إني قد أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثله.
ويقول الآخر مثل ذلك ؛ فهذا وحي بعضهم إلى بعض.
وقاله عكرمة والضحاك والسُّدِّي والكَلْبي.
قال النحاس : والقول الأوّل يدل عليه ﴿ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ] ؛ فهذا يبيّن معنى ذلك.
قلت : ويدُلّ عليه من صحيح السنة قوله عليه السلام :" "ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قَرِينُه من الجن" قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال :"ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير" " روى "فأسلم" برفع الميم ونصبها.
فالرفع على معنى فأسلم من شره.
والنصب على معنى فأسلم هو.
فقال :"ما منكم من أحد" ولم يقل ولا من الشياطين ؛ إلا أنه يحتمل أن يكون نبّه على أحد الجنسين بالآخر ؛ فيكون من باب "سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ" وفيه بُعْدٌ، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon