والمذكور في المعاني إنما هو فيما لم يتكرر فيه فعل المشيئة ولم يكن قرينة غير الجزاء فليعرف ذلك فإنه بديع، والأولى عندي اعتبار مضمون الجزاء مطلقاً، وإنما قال سبحانه هنا ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ [ الأنعام : ١٣٧ ] وفيما يأتي ﴿ وَلَوْ شَاء الله مَا فَعَلُوهُ ﴾ فغاير بين الإسمين في المحلين لما ذكر بعضهم وهو أن ما قبل هذه الآية من عداوتهم له عليه الصلاة والسلام كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي لو شاء منعهم عنها فلا يصلون إلى المضرة أصلاً يقتضي ذكره جل شأنه بهذا العنوان إشارة إلى أنه مربيه ﷺ في كنف حمايته وإنما لم يفعل سبحانه ذلك لأمر اقتضته حكمته، وأما الآية الأخرى فذكر قبلها إشراكهم فناسب ذكره عز اسمه بعنوان الألوهية التي تقتضي عدم الاشتراك فكأنه قيل ههنا : إذا كان ما فعلوه من أحكام عداوتك من فنون المفاسد بمشيئة ربك جل شأنه الذي لم تزل في كنف حمايته وظل تربيته فاتركهم وافتراءهم أو وما يفترونه من أنواع المكايد ولا تبال به فإن لهم في ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته سبحانه على الحكم البالغة ألبتة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
والضّمير المنصُوبُ في قوله :﴿ فعلوه ﴾ عائد إلى الوحي.
المأخوذ من ﴿ يوحى ﴾ أو إلى الإشراك المتقدّم في قوله :﴿ ولو شاء الله ما أشركوا ﴾ [ الأنعام : ١٠٧ ] أو إلى العداوة المأخوذة من قوله :﴿ لكل نبي عدواً ﴾.
والضّمير المرفوع عائد إلى ﴿ شياطين الإنس والجن ﴾، أو إلى المشركين، أو إلى العدوّ، وفرع عليه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتركهم وافتراءَهم، وهو تركُ إعراضضٍ عن الاهتمام بغرورهم، والنكدِ منه، لا إعْراض عن وعظهم ودعوتهم، كما تقدّم في قوله :﴿ وأعرض عن المشركين ﴾.
والواو بمعنى مع.
﴿ وما يفترون ﴾ مَوصول منصوب على المفعول معه.
وما يفترونه هو أكاذيبهم الباطلة من زعمهم إلهية الأصنام، وما يتبع ذلك من المعتقدات الباطلة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾