وقال ابن عاشور :
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
أُعقِب ذكرُ عناد المشركين، وعداوتِهم للرسول ﷺ وولايتهم للشّياطين، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس، واقترافهم السيّئات طاعة لأوليائهم، وما طَمْأن به قلب الرّسول ﷺ من أنّه لقي سنّة الأنبياء قبلَه من آثار عداوة شياطين الإنس والجنّ، بذكر ما يهون على الرّسول ﷺ والمسلمين ما يرونه من كثرة المشركين وعزّتهم، ومن قلّة المسلمين وضعفهم، مع تحذيرهم من الثّقة بقولهم، والإرشاد إلى مخالفتهم في سائر أحوالهم، وعدم الإصغاء إلى رأيهم، لأنَّهم يُضِلّون عن سبيل الله، وأمرِهم بأن يلزموا ما يرشدهم الله إليه.
فجملة :﴿ وإن تطع ﴾ متّصلة بجملة :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوّا شياطين الإنس والجنّ ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] وبجملة :﴿ أفغير الله أبتغي حكماً ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ] وما بعدها إلى :﴿ وهو السميع العليم ﴾ [ الأنعام : ١١٥ ].
والخطاب للنّبي ﷺ والمقصود به المسلمون مثل قوله تعالى :﴿ لئن أشركت ليحبطنّ عملك ﴾ [ الزمر : ٦٥ ].
وجيء مع فعل الشّرط بحرف ( إنْ ) الّذي الأصل فيه أن يكون في الشّرط النّادر الوقوع، أو الممتنع إذا كان ذكره على سبيل الفرض كما يفرض المحال، والظاهر أنّ المشركين لمّا أيسوا من ارتداد المسلمين، كما أنبأ بذلك قوله تعالى :﴿ قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ﴾ [ الأنعام : ٧١ ] الآية، جَعلوا يلقون على المسلمين الشُبه والشكوك في أحكام دينهم، كما أشار إليه قوله تعالى عقب هذا :﴿ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإنْ أطعتموهم إنّكم لمشركون ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ].


الصفحة التالية
Icon