والأظهر أنّ المراد في الآية المعنى المشهور وهو جميع الكرة الأرضية كما هو غالب استعمالها في القرآن.
وقيل : أريد بها مكّة لأنّها الأرض المعهودة للرّسول عليه الصلاة والسلام.
وأيّاً مّا كان فأكثر من في الأرض ضالّون مضلّون : أمّا الكرة الأرضية فلأنّ جمهرة سكّانها أهل عقائد ضالّة، وقوانين غير عادلة.
فأهل العقائد الفاسدة : في أمر الإلهيّة : كالمجوس، والمشركين، وعبدة الأوثان، وعبدة الكواكب، والقائلين بتعدّد الإله ؛ وفي أمر النّبوّة : كاليهود والنّصارى ؛ وأهلُ القوانين الجائرة من الجميع.
وكلّهم إذا أطيع إنَّما يدعو إلى دينه ونحلته، فهو مُضِلّ عن سبيل الله، وهم متفاوتون في هذا الضّلال كثرة وقلّة، واتّباع شرائعهم لا يخلو من ضلال وإن كان في بعضها بعض من الصّواب.
والقليل من النّاس مَن هم أهل هدى، وهم يومئذ المسلمون، ومن لم تبلغهم دعوة الإسلام من الموحّدين الصّالحين في مشارق الأرض ومغاربها الطالبين للحقّ.
وسبب هذه الأكثرية : أنّ الحقّ والهدى يحتاج إلى عقولٍ سليمة، ونفوس فاضلة، وتأمّل في الصّالح والضارّ، وتقديممِ الحقّ على الهوى، والرشدِ على الشّهوة، ومحبّة الخير للنّاس ؛ وهذه صفات إذا اختلّ واحد منها تطرّق الضّلال إلى النّفس بمقدار ما انثلم من هذه الصّفات.
واجتماعها في النّفوس لا يكون إلاّ عن اعتدال تامّ في العقل والنّفس، وذلك بتكوين الله وتعليمه، وهي حالة الرّسل والأنبياء، أو بإلهام إلهي كما كان أهل الحقّ من حكماء اليونان وغيرهم من أصحاب المكاشفات وأصحاب الحكمة الإشراقية وقد يسمّونها الذّوق.
أو عن اقتداء بمرشد معصوم كما كان عليه أصحاب الرّسل والأنبياء وخيرة أممهم ؛ فلا جرم كان أكثر من في الأرض ضالّين وكان المهتدون قلّة، فمن اتبعهم أضلّوه.


الصفحة التالية
Icon