ولما كان التقدير : فإنه خبيث في نفسه مخبث، عطف عليه قوله :﴿وإنه﴾ أي الأكل منه أو هو نفسه لكونه السبب ﴿لفسق﴾ فجعله نفس الفسق - وهو الخروج عما ينبغي إلى ما لا ينبغي - لأنه عريق جداً في كونه سببه لما تأصل عندهم من أمره وانتشر من شره، وهذا دليل على ما أولت به لأن النسيان ليس بسبب الفسق، والذي تركت التسمية عليه نسياناً ليس بفسق، والناسي ليس بفاسق - كما قاله البخاري، وإلى ذلك الإشارة بما رواه عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي ﷺ : إن قوماً يأتونّا باللحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا! فقال :" سموا عليه أنتم وكلوه "، قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر - انتهى.
فهذا كله يدل على أن المراد إنما هو كونه مما يحل ذبيحته، وليس المراد اشتراط التسمية بالفعل.
ولما كانت الشبه ربما زلزلت ثابت العقائد، قال محذراً منها :﴿وإن الشياطين﴾ أي أخابث المردة من الجن والإنس البعيدين من الخير المهيئين للنشر المحترقين باللعنة من مردة الجن والإنس ﴿ليوحون﴾ أي يوسوسون وسوسة بالغة سريعة ﴿إلى أوليائهم﴾ أي المقاربين لهم في الطباع المهيئين لقبول كلامهم ﴿ليجادلوكم﴾ أي ليفتلوكم عما أمركم به بأن يقولوا لكم : ما قتله الله أحق بالأكل مما قتلتموه أنتم وجوارحكم - ونحو ذلك، وأهل الحرم لا ينبغي أن يقفوا في غيره، والغريب لا ينبغي أن يساويهم في الطواف في ثيابه، والنذر للأصنام كالنذر للكعبة، ونحو هذا من خرافاتهم التي بنوا أمرهم فيها على الهوى الذي هم معترفون بأنه مضل مضر، ومبالغون في الذم باتباعه والميل إليه، ويكفي في هدم جميع شبههم إجمالاً أن صاحب الدين ومالك الملك منع منها.