وأجاب العلامة عن الثاني بأنه لما كان المراد بالفسق ههنا الإهلال لغير الله تعالى كان التأكيد مناسباً كأنه قيل : لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق والمشركون ينكرونه، ومنهم من تأول الآية بالميتة لأن الجدال فيها كما ستعلم قريباً إن شاء الله تعالى.
واستظهر رجوع الضمير إلى الأكل الذي دل عليه ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾ والذي يلوح من كلام بعض المحققين أن ما لم يذكر اسم الله عليه عام لما أهل به لغير الله تعالى ولمتروك التسمية عمداً أو سهواً ولما مات حتف أنفه لأنه سبب نزول الآية.
والتحقيق أن العام الظاهر متى ورد على سبب خاص كان نصاً في السبب ظاهراً باقياً على ظهوره فيما عداه.
وأنه لا بد لمبيح منسى التسمية من مخصص وهو الخبر المشتمل على السؤال والجواب وادعى أن هذا عند التحقيق ليس بتخصيص بل منع لاندراج المنسي في العموم مستند بالحديث المذكور.
ويؤيد بأن العام الوارد على سبب خاص وإن قوي تناوله للسبب حتى ينتهض الظاهر فيه نصاً إلا أنه ضعيف التناول لما عداه حتى ينحط عن أعالي الظواهر فيه ويكتفي من معارضة ما لا يكتفي به منه لولا السبب انتهى.
ولا يخفى ما فيه لمن أحاط خبراً بما ذكره العلامة قبل.
وذكر كثير من أصحابنا أن قول الشافعي عليه الرحمة مخالف للإجماع إذ لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامداً وإنما الخلاف بينهم في متروكها ناسياً فمذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يحرم ومذهب علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله عنهما أنه يحل ولم يختلفوا في حرمة متروك التسمية عامداً ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ رحمهم الله تعالى : إن متروك التسمية عامداً لا يسع فيه الاجتهاد ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفاً للإجماع وإن ظاهر الآية يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسياناً إلا أن الشرع جعل الناسي ذاكراً لعذر من جهته وفي ذلك رفع للحرج فإن الإنسان كثير النسيان.