وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجدلوكم ﴾ عطف على :﴿ وإنه لفسق ﴾، أي : واحذروا جَدَل أولياء الشّياطين في ذلك، والمراد بأولياء الشّياطين : المشركون، وهم المشار إليهم بقوله، فيما مرّ :﴿ يُوحي بعضهم إلى بعض ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] وقد تقدّم بيانه.
والمجادلة المنازعة بالقول للإقناع بالرأي، وتقدّم بيانها عند قوله تعالى :﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ في سورة النساء ( ١٠٧ )، والمراد هنا المجادلة في إبطال أحكام الإسلام وتحبيب الكفر وشعائره، مثل قولهم : كيف نأكل ما نقتل بأيدينا ولا نأكل ما قتله الله.
وقوله : وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } حُذف متعلّق ﴿ أطعتموهم ﴾ لدلالة المقام عليه، أي : إن أطعتموهم فيما يجادلونكم فيه، وهو الطّعن في الإسلام، والشكّ في صحّة أحكامه.
وجملة :﴿ إنكم لمشركون ﴾ جواب الشّرط.
وتأكيد الخبر بإنّ لتحقيق التحاقهم بالمشركين إذا أطاعوا الشّياطين، وإن لم يَدْعوا لله شركاء، لأنّ تخطئة أحكام الإسلام تساوي الشرك، فلذلك احتيج إلى التّأكيد، أو أراد : إنَّكم لصائرون إلى الشّرك، فإنّ الشّياطين تستدرجكم بالمجادلة حتّى يبلغوا بكم إلى الشرك، فيكون اسم الفاعل مراداً به الاستقبال.
وليس المعنى : إن أطعتموهم في الإشراك بالله فأشركتم بالله إنَّكم لمشركون، لأنَّه لو كان كذلك لم يكن لتأكيد الخبر سبب، بل ولا للإخبار بأنّهم مشركون فائدة.
وجملة :﴿ إنكم لمشركون ﴾ جواب الشرط، ولم يَقترن بالفاء لأنّ الشّرط إذا كان مضافاً يحسن في جوابه التّجريد عن الفاء، قاله أبو البقاء العُكبري، وتبعه البيضاوي، لأنّ تأثير الشّرط الماضي في جزائه ضعيف، فكما جاز رفع الجزاء وهو مضارع، إذا كان شرطه ماضياً، كذلك جاز كونه جملة اسميّة غير مقترنة بالفاء.


الصفحة التالية
Icon