الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ ﴾ أي يُوَسْوِسُون فيُلقون في قلوبهم الجدال بالباطل.
روى أبو داود عن ابن عباس في قوله :"وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكُلُوه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ ﴾ قال عِكرمة : عنى بالشياطين في هذه الآية مَرَدة الإنس من مَجُوس فارس.
وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير : بل الشياطين الجنُّ، وكفرة الجن أولياء قريش.
ورُوي عن عبد الله بن الزبير أنه قيل له : إن المختار يقول : يُوحَى إليّ فقال : صدق، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم.
وقوله :"ليجادلوكم ).
يريد قولهم : ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه.
والمجادلة : دفع القول على طريق الحجة بالقوّة ؛ مأخوذ من الأجدل، طائر قوِيّ.
وقيل : هو مأخوذ من الجَدالة، وهي الأرض ؛ فكأنه يغلِبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض.
وقيل : هو مأخوذ من الجدْل، وهو شدّة الفَتْل ؛ فكأن كلّ واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها، وتكون حقاً في نصرة الحق وباطلاً في نصرة الباطل.
الخامسة : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ أي في تحليل الميتة ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾.
فدلّت الآية على أن من استحل شيئاً مما حرّم الله تعالى صار به مُشرِكاً.
وقد حرَّم الله سبحانه الميتة نصًّا ؛ فإذا قَبل تحليلها من غيره فقد أشرك.
قال ابن العربيّ : إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركاً إذا أطاعه في الاعتقاد ؛ فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاصٍ ؛ فافهموه.
وقد مضى في "المائدة". أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾