وَيَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَمِنْ الْأَكْلِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ تَرْكِهَا عَامِدًا ؛ إذْ كَانَ النَّاسِي لَا يَجُوزُ أَنْ تَلْحَقُهُ سِمَةُ الْفِسْقِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ ﴿ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَ بِاللَّحْمِ فَبِتْنَا عِنْدَهُمْ وَهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَا نَدْرِي ذَكَرُوا اسْمَ اللَّه عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ : سَمُّوا عَلَيْهِ اللَّهَ وَكُلُوا ﴾، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ التَّسْمِيَةُ مِنْ شَرْطِ الذَّكَاةِ لَقَالَ : وَمَا عَلَيْكُمْ مِنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ :﴿ كُلُوا ﴾ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَى الْفَسَادِ وَمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلَالَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْمُسْلِمِ التَّسْمِيَةَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَبَاحَ أَكْلَهُ فَاسِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ التَّارِكَ لِلتَّسْمِيَةِ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ بِسِمَةِ الْفِسْقِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَيْتَةُ أَوْ ذَبَائِحُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ عَائِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى خُصُوصِ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَانِعٍ بَقَاءَ
حُكْمِ الْآيَةِ فِي إيجَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الذَّبِيحَةِ.