وَقَوْلُهُ تَعَالَى :(قُبُلًا) قَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فِيهِمَا، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو كَالْأَوَّلِينَ هُنَا وَكَالْآخِرِينَ فِي الْكَهْفِ. قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ وَالْمُوَاجَهَةُ بِالشَّيْءِ، وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَالتَّقْدِيرُ : وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَائِلِ مُوَاجَهَةً وَمُعَايَنَةً، وَقِيلَ : إِنَّ الْأُولَى جَمْعُ قَبِيلٍ فَهُوَ كَقُضُبٍ وَرُغُفٍ - بِضَمَّتَيْنِ فِيهِمَا - جَمْعُ قَضِيبٍ وَرَغِيفٍ، وَالتَّقْدِيرُ : وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبِيلًا قَبِيلًا وَصِنْفًا صِنْفًا، أَيْ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ عَلَى حِدَةٍ، وَمِنِ اسْتِعْمَالِ مُفْرَدِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حِكَايَةِ اقْتِرَاحِهِمُ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ :(أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا) (١٧ : ٩٢) وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْكَفِيلُ، أَيْ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا ذُكِرَ كُفَلَاءَ يَضْمَنُونَ لَهُمْ صِحَّةَ مَا جِئْتَ بِهِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ، وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَعَانِي لِلْقِرَاءَتَيْنِ مُتَّفَقٌ يُؤَيِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ) فَقِيلَ : هُوَ مُنْقَطِعٌ، مَعْنَاهُ لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى إِنْ شَاءَ إِيمَانَ أَحَدٍ مِنْهُمْ آمَنَ، وَقِيلَ : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ أَوِ