(وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ وَانْطِبَاقَهَا عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ، لِذَلِكَ يَتَمَنَّى بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ يُؤْتَى مُقْتَرِحُو الْآيَاتِ مَا اقْتَرَحُوهُ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ سَبَبًا لِإِيمَانِهِمْ، وَلَيْسَتِ الْآيَاتُ بِمُلْزِمَةٍ وَلَا مُغَيِّرَةٍ لِطِبَاعِ الْبَشَرِ فِي اخْتِيَارِ مَا تَرَجَّحَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ بِحَسَبِ نَظَرِهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لَجَعَلَهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ شَاءَ أَيْضًا لَخَلَقَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ الْبَشَرِ خَلْقًا لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ. وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُونَ مُحْتَاجِينَ إِلَى رُسُلٍ، بَلْ لَا يَكُونُونَ هُمْ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْخَلْقِ الَّذِي سُمِّيَ الْإِنْسَانَ.
ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ قَطْعًا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُقْتَرِحِينَ الْمُعَانِدِينَ مِنَ الَّذِينَ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِلنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا فِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ - كَالْجُمَلِ قَبْلَهَا - وَلَا شَكَّ أَنَّ جَهْلَهُمْ عَظِيمٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي غَيْرِهِ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ إِسْنَادُ الْجَهْلِ إِلَى أَكْثَرِهِمْ وَهُوَ عَامٌّ شَامِلٌ لَهُمْ،


الصفحة التالية
Icon