(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) أَيْ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ - أَيُّهَا الرَّسُولُ - أَلَّا يَفْعَلُوا هَذَا الْإِيحَاءَ الْغَارَّ مَا فَعَلُوهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُغَيِّرَ خَلْقَهُمْ، أَوْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا زَيَّنَتْهُ لَهُمْ أَهْوَاؤُهُمْ، بَلْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مُسْتَعِدِّينَ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَأَنْ يَكُونُوا مُخْتَارِينَ فِي سُلُوكِ كُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، كَمَا قَالَ فِي الْإِنْسَانِ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (٩٠ : ١٠) وَمِنْ وَسْوَسَةِ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ لِلنَّاسِ وَزُخْرُفِهَا تَحْرِيفُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَكِيمَةِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَعْنَى الْجَبْرِ فَيَقُولُونَ : إِنَّ كُلَّ عَاصٍ لِلَّهِ مَعْذُورٌ لِأَنَّهُ مَا عَصَاهُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ عَنْهَا. وَسَيَأْتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ :(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (٦ : ١٤٨) فَلَا عُذْرَ بِمَشِيئَةِ اللهِ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُمُ اضْطِرَارِيَّةً، بَلْ خَلَقَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَيَحْتَجُّونَ عَلَى الْمُنْكِرِينَ عَلَيْهِمْ كَثِيرًا بِأَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ، وَإِذَا اعْتَرَفُوا بِخَطَأٍ يَلْتَمِسُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِيهِ الْعُذْرَ (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) مِنْ كَذِبٍ، وَيَخْلُقُونَ مِنْ