وتعليق فعل الإباحة بما ذكر اسم الله عليه ؛ أفهم أنّ غير ما ذكر اسم الله عليه لا يأكله المسلمون، وهذا الغير يساوي معناه معنى ما ذكر اسمُ غير الله عليه، لأنّ عادتهم أن لا يذبحوا ذبيحة إلاّ ذكروا عليها اسم الله، إن كانت هديا في الحجّ، أو ذبيحة للكعبة، وإن كانت قرباناً للأصنام أو للجنّ ذكروا عليها اسم المتقرّب إليه.
فصار قوله :﴿ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ﴾ مفيداً النّهي عن أكل ما ذُكر اسم غير الله عليه، والنّهي عمّا لم يذكر عليه اسم الله ولا اسم غير الله، لأنّ ترك ذكر اسم الله بينهم لا يكون إلاّ لقصد تجنّب ذكره.
وعلم من ذلك أيضاً النّهي عن أكل الميتة ونحوها، ممّا لم تقصد ذكاته، لأنّ ذكر اسم الله أو اسم غيره إنَّما يكون عند إرادة ذبح الحيوان.
كما هو معروف لديهم، فدلت هذه الجملة على تعيين أكل ما ذكّي دون الميتة، بناء على عرف المسلمين لأنّ النّهي موجّه إليهم.
وممّا يؤيّد ذلك : ما في "الكشاف"، أنّ الفقهاء تأوّلوا قوله الآتي :" ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه " بأنَّه أراد به الميتة، وبناء على فهم أن يَكون قد ذُكر اسم الله عليه عند ذكاته دون ما ذكر عليه اسم غير الله، أخذا من مقام الإباحة والاقتصارِ فيه على هذا دون غيره، وليس في الآية صيغة قصر، ولا مفهوم مخالفة، ولكن بعضها من دلالة صريح اللّفظ، وبعضها من سياقه، وهذه الدّلالة الأخيرة من مستتبعات التّراكيب المستفادة بالعقل الّتي لا توصف بحقيقة ولا مجاز.
وبهذا يُعلم أن لا علاقة للآية بحكم نسيان التّسمية عند الذّبح، فإنّ تلك مسألة أخرى لها أدلَّتها وليس من شأن التّشريع القرآني التعرّض للأحوال النّادرة.
و"على" للاستعلاء المجازي، تدلّ على شدّة اتَّصال فعل الذّكر بذات الذّبيحة، بمعنى أن يذكر اسم الله عليها عند مباشرة الذّبح لا قبله أو بعده.
وقوله :﴿ إن كنتم بآياته مؤمنين ﴾ تقييد للاقتصار المفهوم : من فعل الإباحة، وتعليقِ المجرور به، وهو تحريض على التزام ذلك، وعدم التّساهل فيه، حتّى جعل من علامات كون فاعله مؤمناً، وذلك حيث كان شعارُ أهل الشّرك ذكرَ اسم غير الله على معظم الذّبائح.
فأمّا ترك التّسمية : فإن كان لقصد تجنّب ذكر اسم الله فهو مساو لذكر اسم غير الله، وإن كان لسهو فحكمه يُعرف من أدلّة غير هذه الآية، منها قوله تعالى :﴿ ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وأدلّة أخرى من كلام النّبيء صلى الله عليه وسلم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon