فظاهر هذا أنّ الله قد بيّن لهم، من قَبْلُ، ما حرّمه عليهم من المأكولات، فلعلّ ذلك كان بوحي غير القرآن، ولا يصحّ أن يكون المراد ما في آخر هذه السّورة من قوله :﴿ قُل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّما ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ] الآية، لأنّ هذه السّورة نزلت جملة واحدة على الصّحيح، كما تقدّم في ديباجة تفسيرها، فذلك يناكِد أن يكون المتأخّر في التّلاوة متقدّماً نزولهُ، ولا أن يكون المراد ما في سورة المائدة ( ٣ ) في قوله :﴿ حُرّمت عليكم الميتة ﴾ لأنّ سورة المائدة مدنيَّة بالاتّفاق، وسورة الأنعام هذه مكّيّة بالاتِّفاق.
وقوله : إلا ما اضطررتم إليه } استثناء من عائد الموصول، وهو الضّمير المنصوب بـ ﴿ حرّم ﴾، المحذوف لكثرة الاستعمال، و﴿ ما ﴾ موصولة، أي إلاّ الّذي اضطُررتم إليه، فإنّ المحرّمات أنواع استثني منها ما يضطرّ إليه من أفرادها فيصير حلالاً.
فهو استثناء متّصل من غير احتياج إلى جعل ﴿ ما ﴾ في قوله :﴿ ما اضطررتم ﴾ مصدريّة.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وعاصم، وأبو جعفر، وخلف :﴿ وقد فصل ﴾ ببناء الفعل للفاعل.
وقرأه ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بالبناء للمجهول.
وقرأ نافع، وحفص عن عاصم، وأبو جعفر :﴿ ما حرم ﴾ بالبناء للفاعل، وقرأه الباقون : بالبناء للمجهول.
والمعنى في القراءات فيهما واحد.
والاضطرار تقدّم بيانه في سورة المائدة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم﴾

فصل


قال الفخر :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿لَّيُضِلُّونَ﴾ بفتح الياء وكذلك في يونس ﴿رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ﴾ [ يونس : ٨٨ ] وفي إبراهيم ﴿لِيُضِلُّواْ﴾ [ إبراهيم : ٣٠ ] وفي الحج ﴿ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ﴾ [ الحج : ٩ ] وفي لقمان ﴿لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ﴾ [ لقمان : ٦ ] وفي الزمر ﴿أَندَاداً لّيُضِلَّ﴾ [ الزمر : ٨ ] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جميع ذلك بضم الياء.


الصفحة التالية