وأما مثل الكافر ﴿فَهُوَ كَمَنْ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا﴾ وفي قوله :﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا﴾ دقيقة عقلية، وهي أن الشيء إذا دام حصوله مع الشيء صار كالأمر الذاتي والصفة اللازمة له.
فإذا دام كون الكافر في ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت تلك الظلمات كالصفة الذاتية اللازمة له يعسر إزالتها عنه، نعوذ بالله من هذه الحالة.
وأيضاً الواقف في الظلمات يبقى متحيراً لا يهتدي إلى وجه صلاحه فيستولي عليه الخوف والفزع، والعجز والوقوف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٤٠ ـ ١٤١﴾
فصل
قال الفخر :
اختلفوا في أن هذين المثلين المذكورين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو عامان في كل مؤمن وكافر.
فيه قولان : الأول : أنه خاص بإنسانين على التعيين، ثم فيه وجوه : الأول : قال ابن عباس : إن أبا جهل رمى النبي ﷺ بفرث وحمزة يومئذ لم يؤمن، فأخبر حمزة بذلك عند قدومه من صيد له والقوس بيده، فعمد إلى أبي جهل وتوخاه بالقوس، وجعل يضرب رأسه، فقال له أبو جهل : أما ترى ما جاء به ؟ سفه عقولنا، وسب آلهتنا، فقال حمزة : أنتم أسفه الناس، تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فنزلت هذه الآية.
والرواية الثانية : قال مقاتل : نزلت هذه الآية في النبي ﷺ وأبي جهل وذلك أنه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف، حتى إذا صرنا كفرسى رهان، قالوا منا نبي يوحى إليه.
والله لا نؤمن به، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية.
والرواية الثالثة : قال عكرمة والكلبي : نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
والرواية الرابعة : قال الضحاك : نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.
والقول الثاني : إن هذه الآية عامة في حق جميع المؤمنين والكافرين، وهذا هو الحق، لأن المعنى إذا كان حاصلاً في الكل، كان التخصيص محض التحكم، وأيضاً قد ذكرنا أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، فالقول بأن سبب نزول هذه الآية المعينة، كذا وكذا مشكل، إلا إذا قيل إن النبي ﷺ قال : إن مراد الله تعالى من هذه الآية العامة، فلان بعينه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٤١﴾