وهو بعيد من مناحي كلام العرب ومفهوماتها ولما ذكر صفة الإحسان إلى العبد المؤمن نسب ذلك إليه فقال :﴿ فأحييناه وجعلنا له نوراً ﴾ وفي صفة الكافر لم ينسبها إلى نفسه بل قال :﴿ كمن مثله في الظلمات ﴾ ولما كانت أنواع الكفر متعددة قال ﴿ في الظلمات ﴾ ولما ذكر جعل النور للميت قال :﴿ يمشي به في الناس ﴾ أي يصحبه كيف تقلب، وقال :﴿ في الناس ﴾ إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس فذكر أن منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه وقابل تصرفه بالنور وملازمة النور له باستقرار الكافر ﴿ في الظلمات ﴾ وكونه لا يفارقها، وأكد ذلك بدخول الباء في خبر ليس ويبعد قول من قال : إن النور والظلمة هما يوم القيامة إشارة إلى قوله :﴿ يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ﴾ وإلى ظلمة جهنم وتقدم الكلام على مثل في قوله ﴿ كمثل الذي استوقد ناراً ﴾ وقرأ طلحة أفمن الفاء بدل الواو.
﴿ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ﴾ الإشارة بذلك إلى إحياء المؤمن أو إلى كون الكافر في الظلمات أي كما أحيينا المؤمن زين للكافر أو ككينونة الكافر في الظلمات، زين للكافرين والفاعل محذوف.
قال الحسن : هو الشيطان، وقال غيره : الله تعالى وجوز الوجهين الزمخشري، وتقدم الكلام في التزيين وقيل : المزين الأكابر الأصاغر. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله عز وجل :﴿ أو من كان ميتاً فأحييناه ﴾
يعني أو من كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان وإنما جعل الكفر موتاً لأنه جعل الإيمان حياة لأن الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبهه بالحياة ﴿ وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ﴾ يعني وجعلنا له نوراً يستضيء به في الناس ويهتدي به إلى قصد السبيل، قيل : النور هو الإسلام لأنه يخلص من ظلمات الكفر لقوله : يخرجهم من الظلمات إلى النور.


الصفحة التالية
Icon