وقال الآلوسى :
﴿ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ ﴾
أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان، وقالت المعتزلة ؛ المراد يهديه إلى الثواب أو إلى الجنة أو يثيبه على الهدى أو يزيده ذلك ﴿ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام ﴾ فيتسع له وينفسح وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه كما أشار إليه ﷺ حين قال له : كيف الشرح يا رسول الله؟ فقال :" نور يقذف في الصدر فينشرح له وينفسح فقيل : هل لذلك من آية يعرف بها يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾
الفاء مُرتِّبة الجملةَ الّتي بعدها على مضمون ما قبلها من قوله :﴿ أو من كان ميّتاً فأحييناه ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ] وما ترتَّب عليه من التّفاريع والاعتراض.
وهذا التّفريع إبطال لتعلّلاتهم بعلّة ﴿ حتى نوتى مثل ما أوتي رسل الله ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ]، وأنّ الله منعهم ما علّقوا إيمانَهم على حصوله، فتفرّع على ذلك بيان السّبب المؤثّر بالحقيقة إيمانَ المؤمن وكُفْرَ الكافر، وهو : هداية الله المؤمنَ، وإضلالُه الكافرَ، فذلك حقيقة التّأثير، دون الأسباب الظّاهرة، فيعرف من ذلك أنّ أكابر المجرمين لو أوتوا ما سألوا لما آمنوا، حتّى يريد الله هدايتهم إلى الإسلام، كما قال تعالى :﴿ إنّ الذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية حتّى يَروا العذاب الأليم ﴾ [ يونس : ٩٦، ٩٧ ] وكما قال :﴿ ولو أنَّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشَرْنا عليهم كلّ شيء قِبَلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله ﴾ [ الأنعام : ١١١ ].


الصفحة التالية
Icon