فقال الجبائي : لا لأن الله يقول له إنما وصل إلى تلك الدرجات العالية بسبب أنه أتعب نفسه في العلم والعمل وأنت فليس معك ذاك فقال أبو الحسن : قولي له لو أن الصبي حينئذ يقول : يا رب العالمين ليس الذنب لي، لأنك أمتني قبل البلوغ ولو أمهلتني فربما زدت على أخي الزاهد في الزهد والدين.
فقال الجبائي : يقول الله له علمت أنك لو عشت لطغيت وكفرت وكنت تستوحب النار، فقبل أن تصل إلى تلك الحالة راعيت مصلحتك وأمتك حتى تنجو من العقاب، فقال أبو الحسن : قولي له لو أن الأخ الكافر الفاسق رفع رأسه من الدرك الأسفل من النار، فقال : يا رب العالمين، ويا أحكم الحاكمين، ويا أرحم الراحمين، كما علمت من ذلك الأخ الصغير أنه لو بلغ كفر علمت مني ذلك، فلم راعيت مصلحته وما راعيت مصلحتي ؟ قال الراوي : فلما وصل الكلام إلى هذا الموضع انقطع الجبائي.
فلما نظر رأى أبا الحسن، فعلم أن هذه المسألة منه، لا من العجوز، ثم إن أبا الحسين البصري جاء بعد أربعة أدوار أو أكثر من بعد الجبائي فأراد أن يجيب عن هذا السؤال، فقال : نحن لا نرضى في حق هؤلاء الأخوة الثلاثة بهذا الجواب الذي ذكرتم، بل لنا ههنا جوابان آخران سوى ما ذكرتم، ثم قال : وهو مبني على مسألة اختلف شيوخنا فيها، وهي أنه هل يجب على الله أن يكلف العبد أم لا ؟ فقال البصريون : التكليف محض التفضل والإحسان، وهو غير واجب على الله تعالى.
وقال البغداديون : إنه واجب على الله تعالى.