فنقول : هذا الكلام مدفوع، لأنه تعالى لما أوصل التفضل إلى أحدهما، فالامتناع من إيصاله إلى الثاني قبيح من الله تعالى، لأن الإيصال إلى هذا الثاني، ليس فعلاً شاقاً على الله تعالى، ولا يوجب دخول نقصان في ملكه بوجه من الوجوه، وهذا الثاني يحتاج إلى ذلك التفضل ومثل هذا الامتناع قبيح في الشاهد ألا ترى أن من منع غيره من النظر في مرآته المنصوبة على الجدار لعامة الناس قبح ذلك منه، لأنه منع من النفع من غير اندفاع ضرر إليه، ولا وصول نفع إليه فإن كان حكم العقل بالتحسين والتقبيح مقبولاً، فليكن مقبولاً ههنا، وإن لم يكن مقبولاً لم يكن مقبولاً ألبتة في شيء من المواضع، وتبطل كلية مذهبكم فثبت أن هذا الجواب فاسد.
وأما الجواب الثاني : فهو أيضاً فاسد، وذلك لأن قولنا تكليفه يتضمن مفسدة ليس معناه أن هذا التكليف يوجب لذاته حصول تلك المفسدة، وإلا لزم أن تحصل هذه المفسدة أبداً في حق الكل وأنه باطل، بل معناه : أن الله تعالى علم أنه إذا كلف هذا الشخص، فإن إنساناً آخر يختار من قبل نفسه فعلاً قبيحاً، فإن اقتضى هذا القدر أن يترك الله تكليفه، فكذلك قد علم من ذلك الكافر أنه إذا كلفه فإنه يختار الكفر عند ذلك التكليف، فوجب أن يترك تكليفه، وذلك يوجب قبح تكليف من علم الله من حاله أنه يكفر، وإن لم يجب ههنا لم يجب هنالك، وأما القول بأنه يجب عليه تعالى ترك التكليف إذا علم أن غيره يختار فعلاً قبيحاً عند ذلك التكليف، ولا يجب عليه تركه إذا علم تعالى أن ذلك الشخص يختار القبيح عند ذلك التكليف، فهذا محض التحكم.
فثبت أن الجواب الذي استخرجه أبو الحسين بلطيف فكره، ودقيق نظره بعد أربعة أدوار ضعيف، وظهر أن خصماء الله هم المعتزلة، لا أصحابنا، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٥٠ ـ ١٥٣﴾


الصفحة التالية
Icon