وناقش في ذلك شيخ الإسلام وادعى أن الأقرب جعل المشار إليه الكفرة المعهودين باعتبار اتصافهم بصفاتهم والإفراد باعتبار الفريق أو المذكور، ومحل الكاف النصب على أنه المفعول الثاني لجعلنا قدم عليه لإفادة التخصيص كما في قوله سبحانه :
﴿ كذلك كُنتُمْ مّن قَبْلُ ﴾ [ النساء : ٩٤ ] والأول :﴿ أكابر مُجْرِمِيهَا ﴾، والظرف لغو أي ومثل أولئك الكفرة الذين هم صناديد مكة ومجرموها جعلنا في كل قرية أكابرها المجرمين أي جعلناهم متصفين بصفات المذكورين مزيناً لهم أعمالهم مصرين على الباطل مجادلين به الحق ليمكروا فيها أي ليفعلوا المكر فيها اه.
ولا يخفى بعده.
وتخصيص الأكابر لأنهم أقوى على استتباع الناس والمكر بهم.
وقرىء ﴿ أكابر مُجْرِمِيهَا ﴾ وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه :﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ﴾ اعتراض على سبيل الوعد له عليه الصلاة والسلام والوعيد للكفرة الماكرين أي وما يحيق غائلة مكرهم إلا بهم ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ حال من ضمير ﴿ يَمْكُرُونَ ﴾ أي إنما يمكرون بأنفسهم والحال أنهم ما يشعرون بذلك أصلاً بل يزعمون أنهم يمكرون بغيرهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾
عطف على جملة :﴿ كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ] فلها حكم الاستئناف البياني، لبيان سبب آخر من أسباب استمرار المشركين على ضلالهم، وذلك هو مكر أكابر قريتهم بالرّسول ﷺ والمسلمين وصرفهم الحيل لصدّ الدهماء عن متابعة دعوة رسول الله ﷺ والمشار إليه بقوله :﴿ وكذلك ﴾ أولياء الشياطين بتأويل ﴿ كذلك ﴾ المذكور.