وأعلم أنّ اصطلاح النّحاة في موازين الجموع في باب التّكسير وفي باب ما لا ينصرف أن ينظروا إلى صورة الكلمة من غير نظر إلى الحروف الأصليّة والزائدة بخلاف اصطلاح علماء الصّرف في باب المُجرّد والمزيد.
فهمزة أكبر تعتبر في الجمع كالأصلي وهي مزيدة.
وفي قوله :﴿ أكبر مجرميها ﴾ إيجاز لأنّ المعنى جعلنا في كلّ قرية مجرمين وجعلنا لهم أكابر فلمّا كان وجود أكابر يقتضي وجود من دونهم استغنى بذكر أكابر المجرمين.
والمكر : إيقاع الضرّ بالغير خُفية وتحيُّلاً، وهو من الخداع ومن المذام، ولا يغتفر إلاّ في الحرب، ويغتفر في السّياسة إذا لم يمكن اتّقاء الضرّ إلاّ به، وأمّا إسناده إلى الله في قوله تعالى :﴿ ومكرَ الله واللَّهُ خير الماكرين ﴾ [ آل عمران : ٥٤ ] فهو من المشاكلة لأنّ قبلهُ ﴿ ومكروا ﴾ [ آل عمران : ٥٤ ]، أي مكروا بأهل الله ورسله.
والمراد بالمكر هنا تحيّل زعماء المشركين على النّاس في صرفهم عن النّبيء ﷺ وعن متابعة الإسلام، قال مجاهد : كانوا جلسوا على كلّ عقبة ينفّرون النّاس عن اتّباع النّبيء صلى الله عليه وسلم
وقد حذف متعلِّق :﴿ ليمكروا ﴾ لظهوره، أي ليمكروا بالنَّبيء عليه الصلاة والسلام ظنّاً منهم بأنّ صدّ النّاس عن متابعته يضرّه ويحزنه، وأنَّه لا يعلم بذلك، ولعلّ هذا العمل منهم كان لما كثُر المسلمون في آخر مدّة إقامتهم بمكّة قبيل الهجرة إلى المدينة، ولذلك قال الله تعالى :﴿ وما يمكرون إلا بأنفسهم ﴾، فالواو للحال، أي هم في مكرهم ذلك إنَّما يضرّون أنفسهم، فأطلق المكر على مآله وهو الضرّ، على سبيل المجاز المرسل، فإنّ غاية المكر ومآله إضرار الممكور به، فلمّا كان الإضرار حاصلا للماكرين دون الممكور به أطلق المكر على الإضرار.
وجيء بصيغة القصر : لأنّ النّبيّء ﷺ لا يلحقه أذى ولا ضرّ من صدّهم النّاس عن اتِّباعه، ويَلحق الضرّ الماكرين، في الدّنيا : بعذاب القتل والأسر، وفي الآخرة : بعذاب النّار، إنْ لم يؤمنوا فالضرّ انحصر فيهم على طريقة القصر الإضافي، وهو قصر قلب.
وقوله :﴿ وما يشعرون ﴾ جملة حال ثانية، فهم في حالة مكرهم بالنّبيء متّصفون بأنَّهم ما يمكرون إلاّ بأنفسهم وبأنَّهم ما يشعرون بلحاق عاقبة مكرهم بهم، والشّعور : العلم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾