وهذه الآية فيها اشكال، وقامت بسببها معركة بين العلماء ؛ فنجد منهم من يقول : وكيف يأمر الله أناساً بالفسق؟. وحاولوا أن يجدوا تأويلا لذلك فقالوا : إن الحق قد قسر وأجبر أكابر هؤلاء الناس على الفسق. والجانب الثاني من العلماء قالوا : لا، إن الحق لا يقسر البشر على الفسق، بل على الإنسان حين يقرأ كلمة أمر الله في المنهج فلابد أن يعرف أن هذا الأمر عرضة لأن يطاع وعرضة لأن يعصى ؛ لأن المأمور- وهو المكلف- صالح أن يفعل، وصالح الا يفعل، وأن الآمر قد أمر بشيء، والمأمور له حق الاختيار ؛ وبذلك تجد أكابر القوم إنما استقبلوا أمر الله بالعصيان ؛ لأن الحق هو القائل :﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله.. ﴾ [ البينة : ٥ ]
والفسق- إذن- مترتب على اختيار المأمور.
وحين نتأمل نحن بالخواطر معنى :" أمر الله " نجد أن أمر الله يتمثل في التكوينات الطبيعية الكونية ولا يوجد لأحد قدرة على مخالفة الله في ذلك، فهو القائل :﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾.
ويتمثل أيضاً أمر الله في التشريعات، وللبشر الذين نزلت لهم هذه التشريعات أن يختاروا بين الطاعة أو العصيان، وسبحانه القائل عن الأمر بالتشريع :﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله ﴾.
وحين يقول الحق :﴿ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا ﴾.
فسبحانه لا يهلك هذه القرية ظلماً، وإنما يرسل إليها المنهج، فإن أطاعوا فأهلاً وسهلاً، وإن عصوا فلابد لهم من العقاب بالدمار.


الصفحة التالية
Icon