وأيضاً فما قبل هذه الآية يدل على ذلك أيضاً، وهو قوله :﴿وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ] ثم ذكر عقيب تلك الآية أنهم قالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ الله﴾ وظاهره يدل على أن المكر المذكور في الآية الأولى هو هذا الكلام الخبيث.
وأما قوله تعالى :﴿لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ الله﴾ ففيه قولان :
القول الأول : وهو المشهور، أراد القوم أن تحصل لهم النبوة والرسالة، كما حصلت لمحمد عليه الصلاة والسلام، وأن يكونوا متبوعين لا تابعين، ومخدومين لا خادمين.
والقول الثاني : وهو قول الحسن، ومنقول عن ابن عباس : أن المعنى، وإذا جاءتهم آية من القرآن تأمرهم باتباع النبي.
قالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ حتى نُؤْتِى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ الله﴾ وهو قول مشركي العرب ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا﴾ إلى قوله :﴿حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءهُ﴾ [ الإسراء : ٩٠-٩٣ ] من الله إلى أبي جهل، وإلى فلان وفلان كتاباً على حدة، وعلى هذا التقدير : فالقوم ما طلبوا النبوة، وإنما طلبوا أن تأتيهم آيات قاهرة ومعجزات ظاهرة مثل معجزات الأنبياء المتقدمين كي تدل على صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
قال المحققون : والقول الأول أقوى وأولى، لأن قوله :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ لا يليق إلا بالقول الأول، ولمن ينصر القول الثاني أن يقول : إنهم لما اقترحوا تلك الآيات القاهرة، فلو أجابهم الله إليها وأظهر تلك المعجزات على وفق التماسهم، لكانوا قد قربوا من منصب الرسالة، وحينئذ يصلح أن يكون قوله :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ جواباً على هذا الكلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٤٣ ـ ١٤٤﴾