النوع الثالث : من التشريفات المذكورة في هذه الآية قوله :﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم﴾ والولي معناه القريب، فقوله :﴿عِندَ رَبّهِمْ﴾ يدل على قربهم من الله تعالى، وقوله :﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم﴾ يدل على قرب الله منهم، ولا نرى في العقل درجة للعبد أعلى من هذه الدرجة، وأيضاً فقوله :﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم﴾ يفيد الحصر، أي لا ولي لهم إلا هو، وكيف وهذا التشريف إنما حصل على التوحيد المذكور في قوله :﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً﴾ فهؤلاء الأقوام قد عرفوا من هذه الآية أن المدبر والمقدر ليس إلا هو، وأن النافع والضار ليس إلا هو، وأن المسعد والمشقي ليس إلا هو، وأنه لا مبدىء للكائنات والممكنات إلا هو، فلما عرفوا هذا انقطعوا عن كل ما سواه، فما كان رجوعهم إلا إليه، وما كان توكلهم إلا عليه، وما كان أنسهم إلا به، وما كان خضوعهم إلا له، فلما صاروا بالكلية، لا جرم قال تعالى :﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم﴾ وهذا إخبار بأنه تعالى متكفل بجميع مصالحهم في الدين والدنيا، ويدخل فيها الحفظ والحراسة والمعونة والنصرة وإيصال الخيرات ودفع الآفات والبليات.
ثم قال تعالى :﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وإنما ذكر ذلك لئلا ينقطع المرء عن العمل، فإن العمل لا بد منه، وتحقيق القول فيه : أن بين النفس والبدن تعلقاً شديداً، فكما أن الهيآت النفسانية قد تنزل من النفس إلى البدن، مثل ما إذا تصور أمراً مغضباً ظهر الأثر عليه في البدن، فيسخن البدن ويحمى، فكذلك الهيآت البدنية قد تصعد من البدن إلى النفس، فإذا واظب الإنسان على أعمال البر والخير ظهرت الآثار المناسبة لها في جوهر النفس، وذلك يدل على أن السالك لا بد له من العمل، وأنه لا سبيل له إلى تركه ألبتة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٥٤ ـ ١٥٥﴾