وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٣٩ : ٧٥) فَحَذَفَ فَاعِلَ الْقَوْلِ لِإِرَادَةِ الْإِطْلَاقِ وَأَنَّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَاطِقٍ وَقَلْبِهِ. قَالَ الْحَسَنُ : لَقَدْ دَخَلُوا النَّارَ وَإِنَّ قُلُوبَهُمْ لِمُمْتَلِئَةٌ مِنْ حَمْدِهِ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ سَبِيلًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَسَّنَ حَذْفَ الْفَاعِلِ مِنْ قَوْلِهِ :(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) (٣٩ : ٧٢) حَتَّى كَأَنَّ الْكَوْنَ جَمِيعَهُ قَائِلٌ ذَلِكَ لَهُمْ إِذْ هُوَ حُكْمُهُ الْعَدْلُ فِيهِمْ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَقَالَ تَعَالَى :(وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (٣٩ : ٧٣) فَهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوهَا بِأَعْمَالِهِمْ وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوهَا بِعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، فَإِذَا أَشْهَدَ سُبْحَانَهُ مَلَائِكَتَهُ وَخَلْقَهُ كُلَّهُمْ حُكْمَهُ الْعَدْلَ وَحِكْمَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَوَضْعَهُ الْعُقُوبَةَ حَيْثُ تَشْهَدُ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ وَالْخَلِيقَةُ أَنَّهُ أَوْلَى الْمَوَاضِعِ وَأَحَقُّهَا بِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ حَمْدِهِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ الْخَبِيثَةَ الظَّالِمَةَ الْفَاجِرَةَ لَا يَلِيقُ بِهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَلَا يَحْسُنُ بِهَا سِوَاهُ بِحَيْثُ تَعْتَرِفُ هِيَ مِنْ ذَوَاتِهَا بِأَنَّهَا أَهْلُ ذَلِكَ وَأَنَّهَا أَوْلَى بِهِ حَصَلَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا وُجِدَ الشَّرُّ وَمُوجَبَاتُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَتِلْكَ الدَّارِ. وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّ الشُّرُورَ تَبْقَى دَائِمًا لَا نِهَايَةَ